فضحتهم الصور
رباح ال جعفر
من حق المواطن في الأنبار أن ينعت ساسة محافظته الدجالين وشيوخه الفاسدين من متصدري المشهد العراقي بنعوت قاسية. من حقه أن ينهال عليهم باللوم والعتب وأحياناً بالهجاء والشتيمة، بعدما خذلوه في محنته وتركوه يكابد جميع ألوان العذاب.
الصور الموجعة من جسر بزيبز الخشبي على أطراف بغداد لآلاف العائلات الهاربة من جحيم الرمادي ومعاركها تخلع القلب لمن بقي لديه قلب. صور لا تحتاج إلى البيان والتبيين لشعب أنباري، كان ولا زال يتصف بالكرم السخي مع ضيوفه حدّ الإسراف، لكنه وقف يتوسّل السماح له بالدخول إلى عاصمته بغداد، كما لو أنه يتسوّل الصدقات من جيوب المحسنين.
هذه الصور الفضيحة لا تحتاج أن تلبس نظارة سوداء لكي لا ترى. إنها رحلة مأساة من ويلات واستغاثات بحثاً عن الوصول إلى مكان آمن يجد فيه ذرة كرامة. شهادة مستفزة بالصوت وبالصورة لشعب يولد في القهر، ويكبر في القهر، ويموت بنفس الطريقة.
فأين هي الهوية الوطنية السمحة، التي يتبجح بها أدعياء الوطن الواحد والشعب الواحد من صورة امرأة عراقية تحمل على أكتافها ابنها المعاق وتسير به مسافات طويلة في رحلة التيه لتنجو من الموت. وأين هي الأخوة العراقية الجميلة من مشهد امرأة ثانية في الثمانين من عمرها يدفعون بها في عربة خشبية حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة؟!
بالمقابل، وفي عرض مسرحي سخيف للغاية، فإنك لا تملك إلا أن تضحك من أعماق القلب على مجموعة من “ساسة” الأنبار جاءت بهم عبث مصادفات عمياء وربما صناديق التزوير، وهم يقفون بكامل أناقتهم أمام السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء للاحتجاج على ما قالوا إنه سقوط الرمادي، بعدما عجزوا عن السير في أية مظاهرة داخل مدنهم.
كم تمنيت لو توارت هذه الوجوه عن الأنظار. كم كنت أتمنى لو أن واحداً منهم، واحداً فقط، أثبت شجاعته وقدّم اعتذاره إلى حشود النازحين الفارين من معارك الرمادي، مشفوعة باستقالته، وانسحابه النهائي من المشهد السياسي، واعترافه أنه كان من أسباب النكبة والفتنة.
الأنبار ألف حكاية ورواية. إنها قصة بطولات وتضحيات. قصة عباءات وولائم. قصة مقاولات وسوق مزايدات. ظلمها الأهل قبل الأغراب، وظلمتها الشعارات الدجالة، وظلمها فرسان يرمحون بسيوف من خشب، وتاجر بمحنتها باعة دم لا يخافون الله، ولا يستحون من بشر. لقد فضحتهم هذه الصور.