اراء و أفكـار

“سرايا الخراساني” الصفوية… والعمالة للنظام الإيراني

داود البصري
لعل من أبرز نتائج الحرب الطائفية المعلنة في العراق وبعد التدخل الإيراني الواسع في شؤونه الداخلية, كشف الغطاء تماما عن العديد من المنظمات والعصابات الطائفية الرثة التي نمت خلال سنوات الاحتلالين الأميركي- الإيراني للعراق, وفي ظل انهيار الدولة والضياع الاجتماعي وفقدان البوصلة الوطنية!, ففي المعارك الأخيرة في صلاح الدين برزت عصابات وميليشيات طائفية ذات أجندات إيرانية وأسماء خرافية مشتقة من تراث الفتنة الكبرى لتتسيد المشهدين السياسي والأمني في العراق, وكان أبرز تلكم التنظيمات هو تنظيم ما يسمى “سرايا الخراساني”! وهو تنظيم أسسه العميد الحرسي الإيراني الهالك في معارك تكريت حميد تقوي ويقوده اليوم عراقي مرتبط بإيران يدعى علي الياسري وهذا التنظيم باعتباره من إنتاج وإخراج وتصنيع مؤسسة الحرس الثوري الإيراني يؤمن بولاية المرشد الإيراني علي خامنئي على المسلمين!, ولا يعترف بالعراق كدولة بحدود وطنية بل أنه يضع البلد تحت وصاية ورعاية مرشد الزمان علي خامنئي بإعتباره القائد والمرشد والموجه الذي يحمي المسلمين كما يقول الياسري!, ولعل قمة التناقض تكمن في تصريحات الياسري التي تقول انه لا يتلقى أوامره من النظام الإيراني, بل من مكتب خامنئي باعتباره الولي الفقيه للمسلمين! لكن ولاية الخامنئي ليست عامة لكل المسلمين, بل هي ولاية خاصة لإيران فقط لاغير, كما أنه يقود النظام السياسي الإيراني, وبالتالي فإن من يبابعه يعني أنه يبايع النظام الإيراني و يضع نفسه في خدمة الدولة الإيرانية شاء ذلك أم أبى.
هذا غير أن التنظيم “ألوية الخراساني” هو أصلا مؤسسة تابعة للحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر وأسسه العميد حميد تقوي الذي قتل في معارك تكريت الأخيرة!, وبذلك أزاح ذلك التنظيم الغطاء عن الحقيقة العارية أصلا والمعروفة للجميع لحقيقة تلك التنظيمات العسكرية والميليشياوية الطائفية التي انتشرت ونبتت في العراق كالفطر السام وأضحت من أهم أدوات ووسائل الحرب الأهلية الطائفية الطاحنة هناك التي تهدد بالانتشار إقليميا فيما لو استفحل أمر تلك الجماعات التي وجدت ملاذها ومجالها الحيوي الخصب في الصراعات الإقليمية الناشئة, فجميع الميليشيات العراقية شاركت في فصول الحرب السورية ضمن عصابات النظام السوري وتحت جناح وقيادة الحرس الثوري الإيراني وشعارات الدفاع عن الأضرحة المقدسة, كألوية “أبي الفضل العباس” و”الخراساني” و”جيش المهدي” وسيد “الشهداء” و”عصائب أهل الحق” وكتائب “حزب الله”!! والعديد من الأسماء و المسميات الأخرى ذات الدلالات و السياقات المعروفة.
كما أن هذه الجماعات تتحرك مركزيا وفق هدف مركزي محوري يتمثل في التخلص التدريجي من الجيش العراقي وتشكيل مؤسسة الحرس الثوري العراقي التي تستطيع لاحقا فرض سطوتها على مؤسسات الدولة والمجتمع وتحويل العراق لدولة دينية طائفية ملحقة بولاية الفقيه الإيرانية, وهو الأمر الذي بات صعبا للغاية أمام حقيقة الهزائم الإيرانية, وحالة التراجع السياسي والعسكري والاقتصادي التي باتت إيران تعيشها بعد “عاصفة الحزم” العربية التي رسمت مسارات مختلفة بالكامل لسيناريوهات ووقائع الأحداث في الشرق القديم.
لقد تميز التخطيط الإيراني للمنطقة بالسرية المفرطة, والمناورة الميدانية والسياسية, وإخفاء الأهداف البعيدة, إلا أن تعقد الصراع في العراق أضطر الإيرانيين للكشف السريع والمباشر عن أدواتهم ورموزهم وركائزهم وقوائم عملائهم وحيث تعتبر “سرايا الخراساني” بأهدافها الطائفية وإرتباطها المباشر بالمنهج الفكري والطائفي والمرجعي الإيراني أوضح صورة متجلية للأهداف الإيرانية البعيدة المدى التي يحاولون اليوم تسريعها وفرضها كأمر واقع بعد أن تبدت أمام عيونهم إحتمالات التراجع والإنسحاب والفشل التام للمشروع التبشيري الإيراني الذي تعاظم في العراق و تقهقر فيه أيضا.
وفي العراق بالذات ستتم هزيمة ذلك المشروع نهائيا… لن يكون العراق أبدا ممرا ومستقرا لمشاريع التقسيم الطائفي والديني, ولن يكون العراق أرضا أو حاضنة لجماعات وعصابات طائفية متخلفة كل عدتها الخرافة وكل تاريخها الارتباط بمصالح و أجندات خارجية, ولا مكان في العراق لهلوسات التاريخ المنقرضة, لقد فضحت سرايا الخراساني كل المستور وحددت مكامن الخطر على وحدة العراق وعلى وجوده الوطني والقومي, فهذه الجماعات العميلة الرثة هي من إفرازات زمن الإحتلال والتردي والفوضى, وهم مرحلة عابرة في زمن متغير, والتاريخ لا يلتفت للأذناب و العملاء وسقط المتاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً