اراء و أفكـار

نقر على بوابة التاريخ

احمد الجنديل
لا أحد يَستطيع أن ينسلخ من تاريخه، سواء أكان هذا التاريخ يتعلق بالفرد أو الجماعة، فهو جزء من الهوية الخاصة أو العامة، رغم أنّ الجميع يؤمن بأن ليس هناك تاريخ ناصع البياض، وليس كلّ موروث مفيداً، وعلى الأمم المتطلعة إلى حياة آمنة مستقرة أن تستخلص من تاريخها ما يخدم حاضرها ومستقبلها، وأن تضع أحداث التاريخ التي لا تعرف الانتصار، خلف ظهرها لكي لا تكون عثرة في طريق بناء الحياة الجديدة.
إنّ لكل أمة من الأمم تاريخها، ولكل مخلوق تاريخه، ولكل تاريخ ما يحمل من الانتصار والهزيمة، ومن الصدق أو الكذب، إلا أنّ جميع الأمم والشعوب استطاعت القفز إلى الأمام مستعينة بتاريخها المشرق، تاركة وراءها تاريخها الذي يعيقها عن التقدم، يستثنى من هذا التعميم الشامل، تاريخنا الذي ظلّ يقود حاضرنا ومستقبلنا، ويتلاعب بمستقبل أطفالنا، بعدما تلاعب بمصيرنا ومستقبل آبائنا وأجدادنا، هذا التاريخ المنسوج من نصال الرماح الورقية، وصليل السيوف الخشبية، وطنين الدفوف المثقوبة، والمغسول بدماء الثأر، والبطولة المزيفة، وبلاغة الخنجر، وفصاحة الحناجر التي تنشد للقتل والانتقام، ورجولة الخطابات التي تحرض على الحقد والكراهية من أجل أن تبقى الحياة طافية على بحر من الدماء.
لقد خرجنا عن السرب، ورحنا نتمسك بتاريخ فيه ما يفيد، وفيه ما يضر، ومع استمرار تشبثنا به، أصبحنا نعشق فصوله التي تتحدث عن الكذب والزيف والتزوير، والتي تهدف الى هزيمة الحاضر والمستقبل لصالح الماضي، ونكره فصول الحكمة والمعرفة في هذا التاريخ والتي تدفعنا نحو غد مشرق، وهذه الميزة التي لازمتنا منذ زمن بعيد، سجلت حالة فريدة لن تعرفها أمم وشعوب الكون عبر تعاملها مع تاريخها وموروثها، وأصبحنا بفضلها لا نجيد غير التفاخر بصنوف الخناجر والسيوف، ولا يحلو لنا الغناء إلا على أنغام: (نثرتهم فوق الأحيدب نثرة) و(وإذا بلغ الفطام لنا صبي) و (ومدجج كره الكماة نزاله)، ولا زلنا نتفاخر حتى هذا اليوم بلغة: (ثم هجم على القوم فقتل منهم ألف فارس) ولا زال الشجاع الذي يرغب بالنوم مع زوجته من عرض سيفه الملطخ بدماء أعدائه عليها، وينشدها أناشيد البطولة، وبعدها يمارس رجولته معها، حتى أصبحنا ندرك تمام الإدراك أننا قوم لا نصلح إلا للقتال، وإذا ما تألقت في رؤوسنا ومضة الخير، وأردنا أن ندخل ميادين الصناعة، فلا نصلح إلا لصناعة الخناجر، وإذا دخلنا إلى الزراعة فلا نعرف غير زراعة رؤوس القتلى، فثقافتنا بمجملها هي ثقافة حرب، وثأر، وانتقام، وثقافة من هذا النوع لا تستطيع الدخول إلى دائرة النور، أو تدفع أحداً عالم الخير.
لقد تطورت أمم، وسادت وبادت حضارات، وولدت أزمان على بقايا أزمان، ولا زال الخنجر القبلة التي نتجه صوبها كل صباح.
مبارك هذا الخنجر الذي يقودنا إلى المزيد من الهزائم، ومبارك هذا العشق الذي دفعنا إلى عقد القران مع الموت، ومبارك لثقافتنا التي تمجد الدم والقتل والموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً