اراء و أفكـار

معارك عراقية… وأبواب البيت الأبيض

داود البصري
مع انتهاء معركة تكريت الأخيرة التي تركت ندوبا وجراحا غائرة في نفوس العراقيين, تبينت حقيقة الفشل المنهجي والتام لحكومة حيدر العبادي التي تتخبط في أوحال ملفات الفشل الكارثية تركتها لها حكومة نوري المالكي التي ضيعت نصف العراق, وأسست لحرب أهلية طائفية مشتعلة تدور ماكينتها الرهيبة لتسحق تدريجيا كل أسس ومقومات الدولة العراقية الحديثة التي تحولت لجزر طائفية متناثرة, ولهشيم متجزئ, ولدولة تعاني الإفلاس من كل الجوانب, فالتوافقات الطائفية داخل الإطار الحكومي هي توافقات هشة وركيكة, والاقتصاد العراقي في ظل حالة الصرف الغبي على الرواتب والامتيازات في طريقه للانهيار التام, خصوصا وإن تكاليف الحروب الداخلية المتزامنة مع حالة الإنفاق على مشاريع وهمية واستنزاف ميزانية البلد الخاوية أصلا قد أديا الى فشل حقيقي وكارثي في إدارة الدولة وقياداتها المتصارعة.
الحرب ضد الجماعات المسلحة لم تحسم بعد, ولا ينتظر أن تحسم خلال الفترة القريبة المقبلة, فمعارك الأنبار قد أوضحت مدى هشاشة الوضع العسكري العراقي, وتمكن المسلحون من السيطرة على قطاعات ستراتيجية وإدارة حرب الاستنزاف بطريقة أدت لإيقاع خسائر كبيرة في صفوف القوات العراقية ينبئ بشكل واضح بأن وعد حيدر العبادي بإصلاح الضرر الكبير الذي تسبب به سلفه نوري المالكي هو مجرد أحلام! والتحرير السريع والخاطف لمدينة الموصل من قبضة “تنظيم الدولة” في ظل الظروف الميدانية الحالية هو أكثر من حلم ليلة صيف, فتحرير الموصل لن يتم بالشعارات و”الهوسات” واستعراض العضلات الضامرة, بل يحتاج الى مقاربات وعمليات تغيير داخلية واسعة النطاق سواء على مستوى بناء الجبهة الداخلية أو على مستوى التجهيز الميداني لساحة العمليات في ظروف إقليمية صعبة ومتشابكة ولا تسمح أبدا بإحراز نصر سريع لن يتحقق أبدا في ظل التجاذبات الطائفية الخطيرة القائمة التي أدت الى ان يبرز ما يسمى “الحشد الشعبي” كقوة عسكرية مناوئة تريد أن تفرض سطوتها حتى على الجيش المستنزف والمتعب من المعارك المستمرة والمواجهات الصعبة داخل المدن العراقية.
الحشد الشعبي اليوم يمثل التحدي الأكبر أمام حيدر العبادي, وهو يقرع أبواب الأميركي الأبيض طلبا للمساعدة الأميركية الحاسمة لإنقاذ الأمور وإعادة السيطرة الحكومية ولملمة أجزاء العراق المتشظية.
الأميركان الذين يراقبون المعارك ويتدخلون جويا في اللحظات الحاسمة ليسوا سعداء برؤية قيادات إرهابية دولية ضربت مصالحها وتعمل في قيادة الحرس الثوري الإيراني وهي تدير المعارك في العراق, ورؤية الأميركان وغيرهم للإرهابي أبو مهدي المهندس وهو يخطط للعمليات ويدير المعارك ويجتمع علنا مع رئيس الحكومة والقائد العام حيدر العبادي تثير أكثر من علامة استفهام, فالرجل إرهابي ومطلوب من كل من الولايات المتحدة ودولة الكويت وليس له صفة رسمية في الدولة العراقية منذ أن هرب من مجلس النواب عام 2006 خوفا من اعتقاله أميركيا.
فهل أن حيدر العبادي لا يعرف الرجل ولا تاريخه وهو الناشط حاليا ضمن فريق مستشاري وعناصر الحرس الثوري الإيراني في العراق من الذين أنكر وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي وجودهم, رغم أن صورهم وتحركاتهم تملأ مساحات الصحف والتلفزة الدولية? إلا أن وزير الدفاع العراقي “ما شفش حاجة خالص”, المهم إن ملف الامتداد المرعب لقيادات الحشد الشعبي من الحرس الإيراني أو الجماعات الطائفية العراقية المرتبطة به ستكون محور مناقشات مهمة ومركزية في مباحثات العبادي مع أوباما, كما أن الانتهاكات الإنسانية الفظيعة والممارسات اللصوصية التي ارتكبتها تلك الجماعات في تكريت اخيرا قد رسمت حدود ومخاوف دموية على الرمال العراقية المتحركة… معارك عراقية صعبة وأوضاع عراقية أصعب, ومصيرا مجهولا يلف العراق في ضوء عدم حسم المعركة الإقليمية الكبرى المتمثلة في كبح جماح النظام الإيراني وتمدده الإقليمي الذي فتح بوابات حروب إقليمية داخلية معقدة… العراق اليوم في فوهة البركان المتفجر فعلا, وحكومة العبادي تبدو فعلا بأنها “في الصيف قد ضيعت اللبن”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً