اراء و أفكـار

اشتعال العراق بنيران الاحتلال والطائفية الرثة

داود البصري
بعد 12 عاما من ذكرى سقوط بغداد تحت جنازير دبابات العم سام, وانهيار الدولة العراقية وتلاشي مؤسساتها الأمنية, والعسكرية, والتحول الدراماتيكي الهائل في الأوضاع العراقية, ونشوء متغيرات عراقية وإقليمية كبرى تركت آثارها اللاحقة على الوضع العربي العام, تختتم فصول قاسية من حقب التاريخ العراقي الحافل بالرزايا والمصائب والإخفاقات, وتفتح مرحلة جديدة لم يستطع العراقيون معها حتى اللحظة صياغة خطاب وطني عراقي توحيدي يعيد لملمة الأوضاع, بل تحول العراق للأسف لمنطقة قتل مفتوحة ولميدان تجارب لصراع إقليمي ودولي رهيب للهيمنة والسيطرة على الشرق الأوسط, واستمر النزيف العراقي بوتائر مرعبة بعد هيمنة التيارات والأحزاب والجماعات الطائفية المدعومة إيرانيا على أوضاعه حتى أضحى العراق اليوم ملحقا تابعا لولاية الفقيه الإيرانية!, وساحة مفتوحة لتصفية أحقاد التاريخ وسخافاته أيضا!
من الناحية الموضوعية الصرفة يصعب الحديث عن الوضع العراقي من دون التطرق لتراكمات تاريخية سابقة, بعضها بعيد جدا, وبعضها قريب!, فمع الذكرى السنوية الثانية عشرة لسقوط النظام العراقي السابق ليس بثورة شعبية عارمة, ولا بربيع عراقي عاصف وصرف, بل على أيدي الجيش الأميركي في سابقة نادرة في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر! يظل العراق مالئ الدنيا وشاغل الناس, في مفاجآته التي لا تنتهي, وفي سيناريوهات الرعب المنطلقة من بين أحضانه!, وفي استحضار كل روايات وخرافات وأحاديث التاريخ.
في بغداد الأزل يتجدد النقاش بين الجد والهزل, فدخول الجيش الأميركي لأول عاصمة عربية بعد دخول الجيش الإسرائيلي لبيروت عام 1982, وإسقاط نظامها السياسي, بل وتدمير كل مقومات الدولة العراقية وتحويلها لأشلاء, كان نتيجة مرعبة لعراق كان مشتعلا ويعيش حالة الحروب ومخاضاتها المؤلمة منذ خريف عام 1980 حينما أعلن نظام صدام حسين الحرب على إيران في 22 سبتمبر من ذلك العام, مدشنا مرحلة جديدة في تاريخ العراق السياسي الحديث بعد أن تمكن من الانفراد التام بالسلطة والسيطرة الكاملة على حزب البعث الحاكم في صيف 1979 في مجزرة الرفاق المعروفة. ومن ثم تحويل العراق لدولة الحزب الواحد والرجل الواحد, والقرار الواحد, وهي الصيغة النازية القديمة المنبوذة والتي وجدت انطلاقتها الجديدة في عراق صدام حسين!
الرجل اليوم في ذمة الله والتاريخ, ولكن تقويم الأحداث من الناحية العلمية الصرفة لابد أن يخضع لدراسة عقلية مستفيضة تؤدي بنا الى نتائج واضحة لما يمكن لعقلية وقيادة الفرد الواحد أن تفعل من كوارث في الشعوب والمجتمعات. لقد كان العراق ومنذ إسقاط الشرعية الدستورية في انقلاب 14 يوليو 1958 العسكري الدموي الأسود, يعيش مخاضات صراع داخلي عنيفة انعكست مؤثراتها من خلال حالة عدم الاستقرار السياسي والانقلابات المستمرة والفشل التام في بناء نموذج الدولة الحديثة والدخول في متاهات الصراعات الحزبية والإنقلابية التي استهلكت كل طاقات العراق, وحطمت أسسه التنموية وأدخلته في صراع اقليمي شرس كان شعبه في غنى تام عن تداعياته, فعسكرة المجتمع والدخول في حروب عشوائية وتسخير موازنة الدولة للصرف على تلك الحروب قد ضيع على العراق فرصا تاريخية لمغادرة قطار التخلف, ففي عام 1977 وبشهادة اليونسكو كانت الأمية في العراق في طريقها للاندثار, وكان النظام التعليمي العراقي من أرقى الأنظمة في العالم الثالث, ولكن بعد عقدين ونيف من السنين تحول العراق لأكبر مستنقع للأمية في العالم, وبشكل أجهز على كل تضحيات العقود الأخيرة من التنمية.
العراق اليوم يعيش كارثة تدميرية حقيقية من الداخل, فنسبة الجهل قد تضخمت لدرجة مرعبة, كما أن النخب السياسية الحاكمة التي جاءت بعد الاحتلال والتي نشأت في كنفه, هي نخب رديئة ومتهاوية وسقيمة وأجهل من الجهل ذاته, أما حالة الإنتاج والفكر في العراق فهي مروعة بالكامل, فالوزراء أميون والنواب لا تتعدى دراستهم المرحلة الابتدائية, والجهل سيد الموقف, فكيف لدولة بهذا المستوى من القيادات أن تنهض؟
التزوير سيد الموقف, والاحتلال الأميركي للعراق لم يأت أبدا بخطة مارشال, ولا بأي خطة تنموية حقيقية, بل جاء بمافيات وعصابات مدعومة من الخارج, وتحديدا من الجانب الإيراني المترصد للموقف العراقي والساعي للإنتقام والهيمنة, والعناصر المحسوبة على النظام الإيراني ومؤسساته الأمنية والعسكرية هي من تقود الموقف في العراق اليوم وبوضوح تام.
لقد ترك العراق بعد الاحتلال ليعيش في الفوضى الخلاقة ليتم إنتاج كل هذا الكم الهائل من الخراب… فبعد ثلاثة عشر عاما من ذلك الاحتلال لم يبق من العراق سوى بقايا دولة تحاول لملمة أجزائها المتناثرة.
لقد نهب الرعاع في العراق صبيحة التاسع من إبريل 2003 كل شيء باستثناء “وزارة النفط”, التي تمت حمايتها, ومازال النفط العراقي يتدفق لأسواق العالم بالمستوى نفسه لاحتراق الجثث, والحر تكفيه الإشارة.
في الفم ماء كثير, وفي القلب غصة ولوعة… إذ مازال العراق يشتعل في حروب “داعش وماعش… والغبراء”! … وتلك هي المأساة!
والحروب المتنقلة والمستمرة تظل هي العنصر الدائم في الحياة العراقية التي حولت العراق أرضا دائمة للعراك! ومازال العراق يشتعل ويهدد بحريق إقليمي واسع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً