اراء و أفكـار

الميليشيات الطائفية في العراق والتأسيس لحرب مذهبية

داود البصري
كل شيء في العراق المهشم طائفيا ومناطقيا بات ينطق بالتخلف والعدمية والرثاثة في معالجة المواقف والازمات, وهيمنة الاحزاب الطائفية المتخلفة بفكرها العدمي وقياداتها الهزيلة على تسيير العراق, قد فرضت على ذلك البلد العربي المنكوب بخرافات التاريخ واساطيره المتعفنة, اوضاعا شاذة وغير مسبوقة في رداءتها وعدميتها, والنتائج البشعة والمريرة التي تمخضت عنها معركة »تكريت« الاخيرة, رسمت خطوطا ومحاذير وحدودا دموية فاقعة على رمال النزاع الطائفي المتوتر في العراق, كما انها رسمت صورة سوريالية لاحداث عراقية دموية رهيبة قادمة ستنخلع لهولها القلوب!
لقد حقق الشحن الطائفي هدفه المركزي, واسس للاسف لواقع تقسيمي عراقي ميداني تمثل في بناء جدران الدم بين مكونات الشعب العراقي الكبرى, وبما يشكل فشلا حقيقيا للعملية السياسية وللنخب السياسية والحزبية التي قادتها, واثبتت انها خارج اي سياق لاي عملية تطورية حقيقية في العراق!
لقد فشلت حكومة حيدر العبادي فشلا ذريعا في ان تكون حكومة لكل العراقيين كما تعهدت في بيانها الوزاري الاول, واثبتت انها حكومة ميليشياوية طائفية رثة ما قامت الا لهدف اكمال ما فشل نوري المالكي في انهائه, وهو قمع الانتفاضة الشعبية العراقية المطالبة بتغييرات حقيقية في البنية الهيكلية الرثة لنظام الحكم الطائفي المرتبط بالاجندة الايرانية, والمعبر عن الفشل الحقيقي الذي حول العراق لدولة فاشلة بامتياز تعيش حروبا طائفية متواصلة, وتفشل في ادارة عمليات النهوض والتنمية الاقتصادية, ويعيش شعبها على الريع البترولي بعد ان توقفت خطط التنمية والتطوير بالكامل, وباتت الدولة العراقية تسير في خط الافلاس التام والواضح, وهو ما يهيء لانفجار شعبي كبير ستمتد مؤثراته لابعد من العراق.
عمليات »الفرهود« وهي التسمية العراقية الشعبية لعمليات النهب الشامل التي قامت بها ميليشيات الاحزاب الطائفية بعد السيطرة الحكومية على تكريت, وتهديم ونسف البيوت وتعذيب وقتل الامنين من المدنيين, واستباحة مدينة »تكريت« بالكامل ليست مجرد عملية تخريب محدودة قام بها نفر من الشقاة والمجرمين!, بل انها منهج مدبر باحكام, وتقوده قيادات طائفية معروفة, وعن طريق قوات الحشد الشعبي الكفائي, وقادته معروفون بالاسم والهوية والعنوان, وهم اليوم اقوى من الدولة وجيشها وشرطتها, ويشكلون البديل القائم لها في حال انهيارها, فعمليات القتل والاستباحة والسلب والنهب تضع دول التحالف الغربي, والولايات المتحدة خصوصا, امام مسؤولياتها الاخلاقية بعد ان تدخلت بقوتها الضاربة واسلحتها التدميرية الهائلة لحسم النزاع جوا دون ان تفرض على المقاتلين على الارض معايير اخلاقية تنظم التصرف وتقيد الممارسات الهمجية التي يتحلى بها شطر كبير من الغوغاء والدهماء الذين يشكلون المادة الحية لجموع ما يسمى بالحشد الشعبي!
سيناريوهات السلب والنهب و»الفرهود«, تتكرر في العراق بانتظام عبر صفحات تاريخه الحديث, ابتداء من »فرهود« عام 1941 بعد حركة الجيش العراقي وقتذاك والاشتباك مع القوات البريطانية نتيجة للتحريض الالماني النازي, وحيث تعرض اليهود في العراق لحملات نهب واسعة عرفت ب¯ »الفرهود«!! ثم ظهرت تلك الحالة المعيبة بعد انقلاب عام 1958 وظهور السحل والقتل في الشارع العراقي, ورأيناها ميدانيا في هجوم حشود اللصوص على مدينة المحمرة الاحوازية وسرقتها, وبيع مقتنيات اهلها في شوارع مدن العراق في الايام الاولى لحرب عام 1980, وظهرت بصورة ابشع, بل تجلت خلال الغزو والاحتلال العراقي للكويت وحيث نهبت الدولة الكويتية بالكامل وتأسست اسواق للحرامية في العراق, ثم جاء يوم السرقة والتدمير الكبير والمؤسف في ما عرف »الحواسم« يوم التاسع من ابريل 2003 بعد احتلال القوات الاميركية لبغداد وانهيار الدولة العراقية, فظهرت جموع اللصوص والسراق لتفتك بالدولة العراقية وتنهب مؤسساتها ومراكز ابحاثها في هجمة همجية بشعة تحت انظار القوات الاميركية التي كانت تستمتع بمشاهدة تلك المشاهد الهوليوودية المخزية لشعب يأكل نفسه ويدمر ذاته.
واليوم يتجدد المشهد البربري من جديد بعد ان تحولت الوحشية والهمجية لتكون منهجا للحياة في العراق, فالتمثيل في الجثث والتفنن في اساليب القتل المتوحش, وممارسة اقصى درجات القسوة والعنف لها اليوم في العراق القدح المعلى بعد ان سمحت الدولة لجموع البرابرة بان يتحولوا لقادة ميدانيين, وبعد ان شرعنت شرعية التدخل الميليشياوي, واسست منذ البداية لان تقود الميليشيات الطائفية والعميلة لايران الدولة العراقية!! فمثلا هل من المعقول ان تدار وزارة الداخلية من قبل تنظيم عصابي ميليشياوي مارس من جرائم الاغتيال الطائفي ضد عناصر ضباط الجيش العراقي الوطني السابق ما مارس, وهو تنظيم »فيلق بدر« الذي يعتبر الفرع العراقي للحرس الثوري الايراني, وان يقوم ذلك التنظيم بحماية العراقيين? كانت الصورة واضحة وسوداء منذ البداية, وما سيأتي من كوارث سيكون اعظم, وسيدخل العراق في سعار دموي عارم لن يهدأ أواره او تخف استعار نيرانه التي ستلتهم كل العراق. لقد فشلت الحكومة العراقية في الالتزام بمسؤولياتها وحماية كل العراقيين وهو ما سيضع الف علامة استفهام حول مستقبل العمليات العسكرية المقبلة في الانبار والموصل… فهل سينفجر العراق?
الجواب تحدده مقاربات وخطط المرحلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً