اراء و أفكـار

صراع داخلي دموي طائفي عراقي رهيب

داود البصري
منحنيات الصراع الداخلي في العراق باتت تتجه نحو نهايات كارثية حقيقية في ظل تصاعد الخلافات بين أطراف التحالف الحكومي العراقي في كل من الجيش والحشد الشعبي بعد الانتكاسة العسكرية الكبرى في معركة تكريت التي أفرزت وأنتجت توغلا إيرانيا قويا جدا في الشأن الداخلي العراقي وبشكل غير مسبوق وبما شكل اختراقاً ستراتيجياً خطيراً للمنظومة الأمنية والنسيج الاجتماعي العراقي , معركة تكريت التي تسببت بخسائر مروعة للجيش الحكومي وللميليشيات الشيعية المحتشدة ضمن إطار ما يسمى بالحشد الشعبي كانت مفصلية ومحورية ومعبرة عن سيناريو متحول , فتلك المعركة راهن عليها الإيرانيون لتكون بمثابة الفتح المبين لسيطرتهم وهيمنتهم المطلقة على الساحة العراقية وحشدوا لها من الإمكانيات والعدة والعديد ما تصوروا أنه سيقلب الموازين ويعزز النفوذ الإيراني ويحول العراق لحديقة خلفية لنظام الولي الإيراني الفقيه !! , ولكنهم جزعوا وارتعبوا من حجم الخسائر البشرية لعناصر حرسهم الثوري أولا حين فقدوا خمسة من كبار جنرالاتهم على تخوم تكريت! كما فشلت ميليشياتهم العراقية التي أعدوها ودربوا عناصرها لهذه المرحلة وخصوصا جماعة “فيلق بدر” والعصائب وكتائب “حزب الله” والعديد الآخر من المسميات في أن تحقق الهدف المنشود كاملا رغم قيامها وتنفيذها لممارسات وجرائم وانتهاكات وتعديات وثقتها المنظمات الدولية وهي جرائم لا تزال مستمرة من خلال استهداف القيادات الدينية لأهل السنة ومحاولات فرض التغيير والإحلال الديموغرافي وتغيير الخارطة المذهبية لمدن شمالي بغداد , لقد تجرع الإيرانيون وحلفاؤهم فعلا وميدانيا سموم الهزيمة والخيبة خصوصا بعدما أعلنت القيادات العسكرية العراقية مثل الجنرال عبد الوهاب الساعدي قائد عمليات صلاح الدين عن استحالة السيطرة على تكريت دون اللجوء لطلب مساعدة الحليف الأميركي الذي ظل متفرجا على التغلغل الإيراني بصورة تثير العجب.
لقد كانت الرغبة الإيرانية جامحة للغاية في إبعاد الجانب الأميركي عن العمليات لكونهم كانوا يريدون نصرا إيرانيا خالصا يكون مدخلا لمتغيرات بنيوية في الوضع السياسي والمستقبلي العراقي , فطموحهم كبير جدا في تهميش جيش الدولة العراقية وبناء منظومة (الحرس الثوري العراقي) لتكون الماركة الإيرانية المسجلة والعلامة الموثقة على ربط العراق بإيران نهائيا.
وهي نفس المحاولات الإيرانية في الشام ولبنان وكذلك اليمن , لقد كان لإيقاف المعارك في تكريت بعد الخسائر المروعة دور سلبي للغاية في المعسكر الإيراني لكونه أصابهم في مقتل العجز عن تحقيق الهدف الطموح وأشر على إمكانية العودة لبيت الطاعة الأميركي والاستعانة بالقوات الأميركية لاستكمال المهمة وهذا يعني أن كل جهود الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس قد باءت بالفشل الذريع لأن النصر والتقدم إن تحقق فلن يكون إيرانيا أبدا وهومادفع القيادي الحرسي العراقي هادي العامري للاحتجاج العلني واصفا القيادة العسكرية العراقية بالضعف ومستنكرا الاستعانة بالأميركان ومؤكدا على قدرة وجاهزية حلفائه الإيرانيين رغم كونه يعلم علم اليقين باستحالة تحقيق الأهداف الإيرانية, لأسباب ذاتية وموضوعية ودولية أيضا , ولاعتبارات أخرى!.
المرحلة المقبلة في إدارة الصراع العراقي ستشهد انقلابا جذريا في خارطة التحالفات وبما سيؤدي في المحصلة إلى تقاطعات بين الفريق الحكومي الطائفي ذاته , ولربما ستتصعد الأمور وهو الاحتمال الأقرب لمواجهات عسكرية بين الجيش العراقي والميليشيات الشيعية التي تحتم شروط التدخل والدعم الأميركي تخفيف الاعتماد عليها تمهيدا لدمجها وقطع علاقتها المركزية بقيادة الحرس الثوري الإيراني وهوما سيؤدي بحكم الضرورة لصراع دموي بين أبناء الطائفة الواحدة , فليس سرا أن الشيعة في العراق ليسوا على قلب واحد ولا ينظرون للأمور من زاوية واحدة بل أنهم أطياف وتكتلات وجماعات وجزر متصارعة ولا أبتعد عن الحقيقة في شيء فيما لوأكدت أن الصراع الشيعي الشيعي في العراق هو أكثر حدة من الصراع الشيعي السني, رغم أن ظواهر الأمور تنبأ بعكس ذلك , إلا أن الوقائع الحقيقية والمختفية بين ركام الأحداث تدعم وتؤكد ماذهبنا إليه.
سيناريوهات إدارة الصراع المستقبلي في العراق خلال الأسابيع والشهور المقبلة ستشهد انقلابا دراميا في التحالفات , وشلالات الدم المتدفقة جزافا لن تتوقف بل ستتحول لحروب ( ضد نوعية ) بين أبناء المكون الطائفي الواحد.
لقد فتحت معركة تكريت صنابير جهنم العراقية ورسخت حالة الانقسام المجتمعي وأضافت لملفات الصراع تداخلات دموية ستؤثر حتما على تصدع البيت الشيعي الذي يعيش سباق المد والجزر بين الاستقلالية الوطنية أوالخضوع التام للإرادة الإيرانية , وهوما سيدخل العراق والعراقيين في دورات عنف جديدة ستتمخض عنها نتائج ستقلب موازين التوقعات , العراق فوق البركان بل في قلبه فعلا وحممه ستتطاير إقليميا لا محالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً