اراء و أفكـار

مقطع عرضي لوجه الهزيمة

احمد الجنديل

يَحلو للبعض أن يقيس الأحداث بمنطق المسطرة، ويستنتج على ضوء المعادلات الرياضية، ويجتهد وفق ما تمليه عليه دائرة الحقوق المجردة، في زمن ما عادت الحقوق لها قدرة على رسم الأحداث، وأصبحت القوة وحدها اللاعبة في الميدان، والقوة عندما تمسك بعرش القيادة، لا تعرف الحق والباطل، ولا تقترب من مفهوم الحقوق، ولا تؤمن بالشعارات التي تنادي بالعدل والإنصاف، تتشابك مرة مع خصومها، وتنبسط أخرى، تتقاطع وتنسجم، تقفز فوق حواجز الشرعية واللا شرعية من أجل الوصول إلى أهدافها، تقدس مرة وتضع ما هو مقدس تحت أقدامها وفق ما يمليه عليها طبيعة الصراع، فعلى مر العصور والدهور، ينجح الحاكم الماسك بمفاتيح القوة في تحقيق أهدافه مع (رعيته)، مستخدماً كل أساليب الإغراء والإذلال للوصول إلى مبتغاه، وتتعفن لدى المواطن قناعاته نتيجة ركودها في رأسه، وعدم المجاهرة بها، وعلى طول المسار، يكون الفوز للحاكم القوي والمصفقين له، وتكون الخسارة من نصيب الشعب الذي يتطلع نحو أمانيه في بناء غد مشرق سعيد، ومع استمرار لعبة القوي على الضعيف، تتسع دائرة النفاق السياسي والاجتماعي، لتخلق لنا مجتمعاً، نصفه يلبس الانتهازية ثوباً له، والنصف الآخر ينام رأسه في دهاليز القهر والصمت، وعلى دوي شعارات الديمقراطية والسلام والتحرر.
دول مارست دور القوي الذي لا يقهر مع شعوبها، ومع مرور الزمن تنازلت بكل ما تحمل من غرور وعنجهية لهيمنة الأقوى منها، وضحت بالغالي والنفيس، بعدما أراقت من دم (رعيتها) أنهاراً من الدم، من أجل بقائها على كرسي الحكم، وشعوب خضعت للقهر والظلم من قبل حكوماتها التي لا تؤمن إلا بالقوة، بعدما دفعت هذه الشعوب فواتير باهظة من الدم والجهد والكفاح، ثم انخرط قادتها إلى حاضنات النفاق والتبعية للحاكم الظالم القوي، وطلائع كانت تبشر بالحق، وتقود الناس إلى طريق التضحية من أجل الكرامة، وبعد حين وجدت كرامتها مستلقية في صالات التخدير والعبودية، تعبث بها مشارط الأقوياء.
ومع اشتداد الأزمات التي أفرزتها القوة الغاشمة، واصطفاف المنافقين والانتهازيين والمنحرفين إلى جانب القوي الظالم، وتشابك صراخ أهل الوعظ بنباح أهل السياسة، ما عدنا نميّز بين الحلال والحرام، بين الصواب ونقيضه، بين الحق والباطل، بين الطريق الذي يفضي إلى رحاب الله، وبين الأزقة المظلمة التي تقودنا إلى كهوف الشيطان، فصار الفساد الذي يفتك بنا وجهاً من وجوه الفضيلة، وأصبح من يسفك دماء الفقراء يحمل وسام الرجولة الخارقة، وانقلب السارق الذي تمتد يده إلى المال العام، ليسرق منه في وضح النهار علماً من أعلام النزاهة، ومن يملك رأساً خاوياً إلا من الخيانة، وطنياً لا يدانيه أحد في وطنيته.
وأصبحت الصورة بكل وضوحها وألوانها وخطوطها لا تعبر إلا عن مقطع جانبي لوطن مهزوم، وشعب محروم، ومستقبل مأزوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً