اراء و أفكـار

انتهاكات الميليشيات الطائفية العراقية.. وأميركا؟

داود البصري
منذ اللحظات الأولى لهيمنة الأتباع المباشرين للنظام الإيراني من أهل الأحزاب الطائفية ذات المرجعية الإيرانية على مسارب السلطة وأروقة الوزارات الأمنية في حكومة حيدر العبادي البديلة لحكومة الفاشل نوري المالكي, لم يخامرنا أي شك في حقيقة أن المصائب ستتهاطل على رؤوس العراقيين, فسيطرة عصابة حركة »بدر« الإيرانية والتي هي فرع من فروع الحرس الثوري الإيراني في الشرق العربي على وزارة الداخلية العراقية من خلال محاولة توزير هادي العامري لها وفي ظل الرفض جيء بأحد أزلامه وهو محمد سالم الغبان ليكون وزيرا أصيلا للداخلية بعد سنوات طويلة من سيطرة المضمد الدعوي عدنان الأسدي عليها وكالة زمن المالكي العقور, تلك السيطرة كانت تعني ان الملف الأمني للشعب العراقي سيدار بيد الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر, وبأن تصفية الحساب الإيراني وبمنهج طائفي مع قطاع كبير من العراقيين سيشهد صفحات سوداء مريرة من حملات الثأر والانتقام والحقد الذي أفرزته ميدانيا هزائم قوات المالكي قبل رحيله عن السلطة.
لقد كان هناك قرار ستراتيجي طائفي للجماعات الطائفية المسلحة التي تدار أمورها من خلال المركز الإيراني وعين المقر ان يكون العراق مغلقا على طائفة واحدة تمتلك القوة والهيمنة وحرية إتخاذ القرار من دون إزعاج أو مناكفة من أي طرف, وهو قرار ستراتيجي يحتم ان تتجند كل الطاقات الطائفية لتكريسه, وجاءت فتوى الجهاد الكفائي, وتشكيل منظمات الحشد الشعبي لتكون الجيش الرديف للجيش العراقي بمثابة فرصة تاريخية لتلك الجماعات الطائفية التي دربها الإيرانيون وأشركوا بعضها في تجارب القتال الميدانية ضد الثورة السورية ودعما لنظام دمشق المجرم, ثم حانت لحظات الحصاد بإعادتها للعراق وزجها في ساحة العمليات وهي تحمل أفكارا وعقائد طائفية متطرفة وعدوانية ومشحونة بروايات الخرافة ورافعة لرايات الثأر والانتقام السوداوية ليلقي بذلك ظلاله الكئيبة والرهيبة على الأوضاع العراقية السوداء أصلا, والمحتقنة بكل غبار السنين الماضيات ووقائع سنوات الجمر والعذاب.
كانت بداية المأساة مع معارك ديالى مع الجماعات المسلحة وحيث ارتكبت تلك الجماعات الطائفية جرائم تطهير عرقي طائفية تقشعر لها الأبدان ونفذت حملات إعدام ميدانية ليس ضد مقاتلين بل ضد مدنيين أبرياء الأمر الذي دفع حتى مقتدى الصدر ذاته وهو يمتلك أيضا ميليشيا مسلحة اسمها »سرايا السلام« التابعة لـ»جيش المهدي«! بوصف تلك العمليات الإجرامية بكونها من نتاج »ميليشيات وقحة« ويقصد بالتحديد عصابة العصائب للإرهابي الوقح والعميل الإيراني قيس الخزعلي!, وعصابات أخرى تناسلت في ظل الفوضى العراقية الرهيبة وفشل الحكومة المريع في السيطرة على الأمور والملفات الساخنة والستراتيجية. ثم زادت الطين بلة معارك آمرلي التي كشفت الأقمار الاصطناعية الأميركية التي استعانت بصورها منظمات حقوق الإنسان الدولية حجم الدمار الهائل الذي أوقعته تلك الميليشيات بها ومذابح اهل السنة وانخراط حتى الجيش الحكومي الرسمي في ممارسة جرائم الحرب وإعدام حتى الأطفال, وهي قضية أكد عليها الإعلام الأميركي بشكل مكثف خصوصا القنوات الفضائية التي تمتلك أشرطة وتسجيلات لفظائع إرهابية هي بمثابة جرائم حرب اقترفتها تلك العصابات وبالتعاون مع الجيش أو أمام عيون عناصره التي لم تتدخل لحماية المدنيين وقت الحرب, ثم جاءت معارك تكريت والخسائر الرهيبة التي منيت بها القوات العراقية والإيرانية والمنظمات الطائفية لتكرس المشهد الانتقامي ولتشعل نيران الحقد الطائفي التي ستفجر ليس العراق بل الشرق بأسره إن لم يتدخل العالم وتمارس الضغوط لإيقاف المأساة الرهيبة التي إنساق لها العراق بعد هيمنة الرعاع والقتلة والعملاء على مقدراته بشكل مباشر وبعد عجز السلطة وخوائها وعدم معرفتها بما يدور من جرائم تمر تحت مسؤوليتها القانونية والجنائية.
الحليف الأميركي رفع البطاقة الحمراء في وجه حكومة العراق وأعلن الاميركان قلقهم من تنامي الدور الإيراني في حياكة المأساة العراقية, لكنهم تناسوا انهم كانوا السبب الأساس والرئيس في فتح الطريق لإيران من خلال دعم وحماية الأحزاب العميلة التابعة لإيران أصلا كالدعوة وجماعة عمار الحكيم (المجلس الأعلى)! وأخيرا عصابة »بدر« التي هي وجه عراقي للحرس الثوري!! ثم ان انسحابهم السريع عام 2011 الذي أدى لتعزيز التواجد الإيراني في ظل الفشل الحكومي العراقي, فحكومة العصابات الطائفية لا تستطيع إدارة حسينية واحدة دون صراع فكيف تدير أمور بلد معقد ومتشابك ومتداخل طائفيا وإثنيا وعرقيا كالعراق!
لقد كانت المسؤولية الاميركية كبيرة ومباشرة في تدهور الأوضاع العراقية لأن الجميع وحتى السذج كانوا يتوقعون هذه النتائج التي تجري اليوم, فهل أن دوائر الرصد والتحليل والمخابرات الاميركية وأجهزة الأمن القومي لم تكن تعلم بما سيحصل! مستحيل أن نقبل مثل ذلك التصور.
إيقاف جرائم الحرب الحكومية العراقية ضد المدنيين أضحى مسألة دولية وينبغي على المجتمع الدولي التحرك الحاسم لمنع إبادة المكون السني… وإلا فإن الشرق في طريق الإنفجار.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً