اراء و أفكـار

العراق… أمريكا أسقطت الدولة وإيران تسعى لإسقاط الهوية

أمير المفرجي

يتفق العراقيون في أن للاحتلال ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻲ ﻟﻠﻌﺭﺍﻕ دور أساسي في إسقاط ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ وﺍﻨﻬﻴﺎﺭ ﺒﻨﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ والحزبية، ﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﺒﻁﺒﻴﻌﺔ ﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻡ السابق وطريقة ﺒﻨـﺎئه للدﻭﻟـﺔ، ﻓﻀﻼﹰﻋﻥ ﻤﻜﺎﻨﺔ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ الحكومية وأجهزتها ﻓـﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ الداخلية، ومن ثم علاقاتها مع المحيط الإقليمي والدولي.
وكما لا يخفى على كل ذي بصيرة من غير العراقيين في أن اندفاع الإدارة ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ﻭﻤﻥ ﺘﺤﺎﻟﻑ ﻤﻌﻬﺎ إﻗﻠﻴﻤﻴاً ودوليا في غزو بلاد الرافدين ﻓﻲ إبريل 2003، ساهم في ﺘﺩﻤﻴﺭ اﻠﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﺘﻴﺔ الاجتماعية والاقتصادية ﻟﻠﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻴﺔ ﻭﺘﻘﻭﻴﺽ مؤسساتها، عن طريق ﺘﻌﻤﻴﻕ ﺸﻘﺔ ﺍﻟﺨﻼﻓﺎﺕ ﺒﻴﻥ ﺃﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺸـﻌﺏ، ومن ثم ﺘﻤﺯيق ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻲ الحاضن للمشروع ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ، ﺒﻌﺩ ﺃﻥ ﻓﺭﻀﺕ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴـﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ الجديدة ﻭﺍﻗﻌﻬﺎ ﺍﻟطائفي، وتركت بصماتها الخاصة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺎﺤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻻجتماعية، مربكة بوصلة ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻲ وحقه في الاختيار ما بين الولاء ﻟﻠﻤـﺫﻫﺏ ﻭﺍﻟﻁﺎﺌﻔﺔ، ﺃو الولاء ﻟﻠﻭﻁﻥ ﻭﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻴﻴﻥ، للحفاظ ﻋﻠﻰ ﻭﺤﺩﺘﻪ ﻭﺘﻤﺘﻴﻥ ﻟﺤﻤﺘﻪ ﺒﻴﻥ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﺃﺒﻨﺎﺌﻪ ﻭﺸﺭﺍئحه، حيث عمق الاحتلال الحس الطائفي الشيعي وشجع النظام الحاكم في عدائه ومحاربته للمكونات الأخرى، وتهيئة الظروف المناسبة للارتماء في أحضان إيران تحت ذريعة الدفاع عن حقوق المكون الشيعي في حكم البلاد، والبقاء في السلطة لينتقل العراق في النهاية من فترة الاحتلال الأمريكي، الذي اسقط النظام والدولة إلى فترة الانتداب الإيراني الهادف إلى إسقاط الهوية العراقية وتغيير تاريخها.
وبهذا يفوق حجم التدخل الإيراني خطورة الاحتلال الأمريكي في نجاحه في تغيير النظام، وإذا كان الاحتلال الأمريكي للعراق قد نجح في اسقاط الدولة العراقية وتغيير النظام البعثي، فإن الجمهورية الإسلامية ونظام الولي الفقيه يسعيان في مشروعهما على التراب العراقي، إلى اسقاط العراق كبلد بكامله وضمه سياسيا ومذهبيا وقوميا، بعد أن استطاعت إيران وبفضل الحكومات الطائفية ومليشياتها من تهميش المكون السني وقمعه بسلاح المذهبية، ومن ثم دفعه للوقوع في فخ التنظيمات الجهادية طلبا للأمن والحماية.
من هذا المنطق لم تكن تصريحات مستشار الرئيس اﻻيراني على يونسي، في أن تصبح بغداد عاصمة للإمبراطورية الإيرانية اعتباطا ولا صدفة، بل هي إيذان ببدء تكرار فترة جديدة من الوجود الفارسي، وما دعوة الناطق في «وكالة مهر الحكومية الإيرانية»، حسن هاني زاده للعرب العراقيين «إلى ترك الهوية العراقية والعروبية» وإجبار العراقيين للاختيار ما بين العروبة التي وصفها «بالمزيفة»، إلا إشارات للتذكير بحقيقة الأمر الواقع الجديد المتمثل في النية الرسمية الإيرانية لإسقاط الهوية العراقية وربط البلاد بمشروع الإمبراطورية، التي أكل الزمان عليه وشرب.
من هنا، أخطأ النظام العراقي الحاكم في اضطهاده وقمعه للعرب السنة، في قراءته لتصدي العراقيين للنفوذ الأمريكي والإيراني، على أنه امتداد لثورة مذهبية سنية هدفها الإطاحة بنظام الاحزاب الشيعية، وليس ثورة شعبية وطنية ضد الاحتلال والفساد، ومن أجل الحرية مثلها مثل ثورات الشعوب التي تعرضت لذل الاحتلال.
لم يفرق النظام الحاكم ومرجعيته الدينية ما بين الدفاع عن العراق والدفاع عن المذهب، بتسليمهم أمور العراق إلى إيران، على الرغم من معرفة الزعماء الشيعة، كمقتدى الصدر وغيره بطبيعة خفايا المشروع التوسعي الفارسي، ودور نظام ولاية الفقيه في العراق، الرامي إلى تفضيل المصالح القومية العليا لإيران في تنفيذ استراتيجيتها التوسعية، على حساب السيادة والوجود العراقي في المنطقة، التي ترتكز على شحن العداء والبغضاء وتمزيق وحدة صف العراقيين وجعل المعايير الطائفية والحزبية فوق المعايير الوطنية والقومية، ومن ثم تحويل العراق والمنطقة العربية إلى ساحة احتقان شيعية ـ سنية بامتياز.
كما أخطأت أيضا بعض فصائل المقاومة العراقية وقياداتها التي كان لها شرف مقاتلة المحتل الأمريكي والإيراني، والمشاركة في المشروع التحرري الذي استطاع إلحاق الهزيمة بالمشروع الأمريكي وأجبره على الرحيل، حين لم تفرق بين الدفاع عن العراق ووحدته، وإعادة الدولة والنظام اللذين أسقطهما الاحتلال الأمريكي في 2003 حين تحالفت مع «تنظيم الدولة الإسلامية»، سواء عن طريق التحاق عدد من النخبة العسكرية والحزبية السابقة بتنظيم «داعش» أو عن طريق مغازلة هذا التنظيم المتشدد، الذي لا يتوافق مع واقع الدولة الوطنية العراقية، في ما يتعلق بشرعية تعدد مكوناتها وقدسية تنوع معتقداتها السماوية، ناهيك عن رؤيته الخاصة في فهم وقراءة تاريخ بلاد الرافدين، وأهمية آثارها التاريخية، حيث يُكمن هذا الخطأ في الانزلاق في فخ مشروع تنظيم «الدولة الخلافة الإسلامية» (داعش) الذي يراد منه وأد المشروع التحرري الوطني، من خلال الخلط ما بين الفكر الإسلامي الإرهابي المتطرف، والأفكار القومية والتحريرية لاستعادة السيادة والأمان، وتخليص البلاد من النفوذ الإيراني ونظامه الطائفي السائر في فلك قم وطهران. فثمة حاجة لرؤية صريحة لا مجال فيها لأي احتمال، إن ما نحتاجه في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها العراق بعد احتلال إيران لبلادنا وتدمير «داعش» لكنوز تراثنا، هو العودة الوطنية المخلصة للدفاع عن بلاد الرافدين وتاريخها وليس الحزبية القومية أو المذهبية الفئوية، فجرح عراقنا كبير ولم يعد بلدنا كما كان.
لقد أخطأت المرجعية الدينية ومن خلالها الحكومة الطائفية في رؤيتها وتحالفها مع إيران، حين لم تفرق بين الدفاع عن الهوية العراقية والدفاع عن المذهب. وكما لم يفرق البعض من القوى السنية والقومــــية ما بين الدفاع عن العراق العربي المهدد بالسقوط وبين إعادة بناء دولتهم الساقطة بدبابات الاحتلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً