اراء و أفكـار

تساؤلات ما بعد الاتفاق النووي

عصام فاهم العامري

رغبة إدارة أوباما واستعجالها في توقيع الاتفاق النووي مع إيران ليس مرده فقط إعاقة حصول إيران على السلاح النووي ولكن أيضا التفاهم حول مجمل الأوضاع الإقليمية، وهو بالتحديد ما يطرح السؤال عن طبيعة العلاقة التي ستربط إيران بدول الإقليم في السنوات المقبلة، وأيضاً ما يتعلق بالنفوذ الإيراني ومرتكزاته الذاتية وقدرته على الديمومة في منطقة الشرق الأوسط التي تخترقها الفوضى والإرهاب؟
وفي الواقع، تتضمن المفاوضات النووية عدة جوانب مهمة: الأول، هو المتعلق بمسألة التخصيب على وجه التحديد. والكل متفق على الاعتراف بحق إيران في الوصول إلى استخدام التقنيات النووية المدنية، ولكن مع منعها من الوصول إلى صناعة الأسلحة النووية، لأن من شأن ذلك زعزعة استقرار المنطقة وإطلاق سباق تسلح نووي إقليمي، من خلال دفع دول أخرى إلى فعل الشيء نفسه. فالمسألة إذن تقتضي أخذ التزامات واضحة ومستدامة من طهران حول هذه النقطة. وكل ذلك يحصل في الوقت الذي لم يستطع أي من وكالات الاستخبارات الغربية من رصد أي (بعد عسكري) للبرنامج النووي الإيراني منذ 2003. الجانب الثاني، هو المتعلق بالعقوبات الاقتصادية على إيران. وهنالك العقوبات من طرف واحد التي فرضتها الولايات المتحدة منذ 1979، وكذلك منظومة عقوبات أخرى لاحقة، وبمشاركة موسعة انخرطت فيها أيضاً بلدان أوروبية، وقد تم فرضها منذ سنوات، على خلفية البرنامج النووي الإيراني. ويقدر أثر هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني بـ5 مليارات دولار شهرياً. ويفترض بمجرد الوصول إلى اتفاق نووي والتوقيع عليه أن يتم رفع العقوبات عن إيران، وهذا يعني موارد مالية أكبر تستطيع إيران التحكم بها. والسؤال المطروح، ان إيران في ظل عقوبات متعددة وفي ظل حصار دولي استطاعت أن توسع نفوذها في المنطقة على نحو غير مسبوق فماذا يحصل في ظل أوضاع طبيعية.. كيف يصير النفوذ الإيراني وأين تصل مدياته؟ الجانب الثالث، هو المتعلق بإمكانية المصالحة الأميركية- الإيرانية، و أيضاً فرص إعادة دمج إيران على الساحة الدولية، ووزنها في السياق الإقليمي. وفي كل الأحوال، فإن الدور والنفوذ الإيراني القائم الآن هو لا يعبر في حقيقته عن حجم إيران ودورها بقدر ما يعبر عن استثمار إيراني للانهيارات الحاصلة في الإقليم والفراغ الناجم عن هذه الانهيارات والذي تحاول إيران أن تشغله.. ولكن السؤال هل لدى إيران ما يجذب دول الإقليم وشعوبها كي يصير نفوذها طبيعيا ومتسقا؟ فالنفوذ الطبيعي يحتاج إلى مرتكزات في مقدمتها نموذج أو خطاب يمتلك جاذبيته ويمكن أن يتسلل إلى قلوب وعقول ومشاعر شعوب المنطقة التي يمارس فيها النفوذ، فضلا عن اقتصاد قوي وإدارة حسنة يمكنها أن توفر مرتكزات ذاتية في المسرح الذي يتواجد فيه هذا النفوذ. فهل النفوذ الإيراني الراهن يمتلك مثل هذه المواصفات أم أنه يفرض نفسه بطرق غليظة مستثمرا أجواء الانهيارات وثقافة الانقسام وبروز الولاءات العرضية؟ وهل إيران تملك أن تديم هيمنتها الظاهرة الآن في المرحلة اللاحقة ما بعد زوال داعش والأحوال الطارئة التي تشهدها المنطقة؟ أسئلة تحتاج إلى نقاش هادئ تعتمد روح التعايش واستحضار مفاعيل النفوذ القائمة على أساس معطيات الجغرافيا والتاريخ فضلا عن المرتكزات الذاتية لممارسة النفوذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً