ثقافة وفن

عرض أزياء نادر في بغداد مستوحى من العروض العالمية

عرض-زياء-بغداد

يجلس ابو مصطفى وزوجته بكامل أناقتهما على كرسيين متلاصقين في قاعة أحد فنادق بغداد ويتابعان على وقع الموسيقى الشرقية عرض أزياء عراقيا مستوحى من العروض الغربية، هو الاول لهما منذ نحو ثلاثة عقود.

ويدغدغ العرض النادر الذي أقيم في بغداد مؤخرا ذكريات الزمن الجميل الذي طبع بغداد في الماضي، ويتيح لجيل من الشبان والشابات الذين حضروا بكامل أناقتهم وتسريحاتهم العصرية، اكتشاف جماليات تكتنزها بلادهم التي تشهد منذ أعوام طويلة تزايد التشدد الاجتماعي وعنفا يحصد المئات شهريا.
حضر الزوجان إلى العرض الذي أقيم في قاعة فارهة ذات سقف مرتفع في فندق الرشيد، أفخم فنادق العاصمة، بعدما ألغيا كل التزاماتهما.

وقالت السيدة لوكالة فرانس برس «هي المرة الأولى التي نحضر فيها عرضا للأزياء في بغداد منذ عام 1988، عندما كانت تجمعنا علاقة حب».

تضيف والابتسامة لا تفارق وجهها «أتينا لنرى (…) نحب عرض الأزياء والتصاميم (…) تحضرنا قبل أسبوع، ألغينا مواعيد، وتفرغنا للعرض».

ويعقب أبو مصطفى «الوضع الأمني أثر على كل شيء (…) الشعب العراقي يحب هذه الأشياء. هو شعب متطور، لكن يراد له فرصة فقط».

كان العرض الأخير الذي حضره الزوجان في العام الذي انتهت فيه حرب بين العراق وإيران استمرت ثمانية اعوام، إلا انها لم تحل دون استمرار الحياة الاجتماعية والثقافية في بغداد التي كان مجتمعها حينها أكثر انفتاحا.

وسعى المصمم العراقي سنان كامل من خلال عرض العرض لنقل تجربة العروض العالمية، واختار له اسما غربيا هو «بغداد فاشن شو 2015.»

وقال كامل (35 عاما) خلال الافتتاح «قبل ثلاثة اشهر، كان هذا حلما واليوم صار واقعا. اليوم ستكون انطلاقتنا»، في إشارة الى عزمه جعل هذا العرض محطة سنوية. وأضاف أن العرض «محاولة ل،ن نصل إلى العالمية».

وامتلأت القاعة بنحو 500 شخص بينهم ازواج وشبان وشابات، القاسم المشترك بينهم هو الأناقة في اختيار الملابس والزينة وتسريحات الشعر العصرية. ولم تتخل غالبية الحاضرين عن هواتفهم الذكية لالتقاط الصور أكانت شخصية (سيلفي) او للعارضات، منذ دخولهم الفندق حتى انتهاء العرض.

واختالت العارضات وعددهن 16 على منصة على شكل حدوة حصان بزوايا حادة، احيطت بستة صفوف من الكراسي الحمراء المخملية.

وقدم المصممون وهم شاب وخمس شابات، فساتين متعددة الألوان من الأحمر اللامع إلى البنفسجي، مرورا بالأسود المخملي والأبيض. وقد زين بعضها بعقود من اللؤلؤ او ربطات على مستوى الصدر والكتفين.

كما تضمن العرض فساتين سهرة مرصعة وملابس جاهزة مستوحاة من الكوفية الفلسطينية والشماغ العربي الأحمر والأبيض.

خلف الكواليس، امتزج التوتر الناتج عن كون العرض هو التجربة الأولى للعديد من المشاركين، بمشاعر الفخر والفرح. واختلط قيام العارضات بوضع الماكياج والتعديلات الأخيرة على الملابس، مع التقاطهن الصور والبحث عن حلى ضائعة.

عند المدخل، تنفس أيمن سلطان حاجم الصعداء بعدما قدم مجموعته. وقال هذا المصمم الهاوي البالغ من العمر 30 عاما «حققت حلما»، مضيفا بفخر وابتسامة «أشعر أنني منتصر، على نفسي وعلى المجتمع».

وكان حاجم وهو من مدينة البصرة (جنوب)، قال خلال تدريب على العرض الأسبوع الماضي، إنه يواجه «نظرة الناس لهذا الاختصاص، إنه اختصاص نسائي»، وإنه يتحدى «مجتمعا كاملا.»

وخلال العقود الماضية، كان معتادا في بغداد رؤية نساء يرتدين تنانير قصيرة وملابس أقرب الى الأسلوب الأوروبي المتحرر، إلا أن هذه العادات تبدلت مع تزايد التشدد الديني ودخول البلاد في حروب ودوامات عنف، ومعاناتها من حصار اقتصادي خانق دام نحو 13 عاما.

وتواجه العارضات نظرة مريبة من المجتمع. وكانت بعض المشاركات أبلغن فرانس برس الاسبوع الماضي، أن غالبية أقاربهن، لا سيما الآباء، لا يعرفون بأنهن سيشاركن في العرض. كما تخفي بعض عارضات الأزياء (من غير الهاويات) طبيعة عملهن عن عائلاتهن.

وواجه العرض انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، لتنظيمه في وقت يواجه فيه العراق أعمال عنف يومية، زادت حدتها منذ حزيران/يونيو بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة من البلاد.

وانتقد البعض إقامة العرض في وقت تخوض القوات العراقية معارك ضارية لاستعادة بعض المناطق، أحدثها معارك مدينة تكريت التي لا تبعد عن بغداد سوى نحو 100 كلم، والتي انطلقت في الثاني من آذار/ مارس.

إلا أن مشاركين في العرض رأوا فيه فرصة للتغلب على الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وإظهارا لجمال بغداد الذي يخفيه دمار الحروب.

وتقول زهراء العارضة «صحيح أننا نعيش ظروف حرب، لكن تجربة كهذه تخرجنا من جو الحروب والدمار».

وكان كامل أكد خلال الافتتاح أن العرض «هو أهم رسالة نوجهها للعالم بأن العراق ما زال على قيد الحياة».

يتشارك هذا الرأي عبد القادر غسان (22 عاما)، وهو مدير مبيعات في شركة سياحية.

ويقول الشاب ذو التسريحة العصرية «هذا أكبر تحد لهذا الوضع»، قبل ان يشير بيده إلى العارضات قائلا «هذه هي الحياة، هذه هي بغداد».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً