اراء و أفكـار

رؤى :داعش والتشابه مع الخمير الحمر

عصام فاهم العامري
يُوجد تشابه واضح بين داعش والخمير الحمر. فالاثنان نتاج بيئة أوجدتها الولايات المتحدة الأمريكية وتسببتا بــإحداث مأساة إنسانية حقيقية، الأولى في كمبوديا والثانية في العراق. ومثلما وضع الخمير الحمر هدفهم آنذاك بناء “المدينة الزراعية الفاضلة” وأشعلوا الحروب وافرغوا المدن، واستولوا على الأموال، وأعدموا المثقفين وسواهم من المعارضين، في سبيل تأسيس تلك “المدينة الزراعية الفاضلة”. وبدلاً من تأسيس تلك المدينة المنشودة، انتهى الأمر بتلك الجماعة إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أودت بحياة ما يقرب من مليوني شخص. فإن نفس الشيء يتكرر اليوم مع داعش مع اختلاف الأهداف حيث وضعت داعش هدفها في إقامة “دولة الخلافة الإسلامية” وتحت هذه الذريعة قامت بــإحداث مأساة حقيقية في أجزاء من العراق ومن ثم سورية وقبل أن يتكشف المدى الحقيقي لفظاعات تلك الجماعة على مستوى واسع، ما زال البعض ممن لم يكتوِ بنارها يعتقد بـ”نبل” هدفها كما كان بعض أتباع الخمير الحمر يعتقدون قدسية هدفهم. وكما سعت جماعة الخمير الحمر التي اتخذت من كمبوديا وبعض اجزاء لاوس المجاورة الى الجمع بين اليافطة الأممية والحلم القومي الفضفاض على نطاق الهند الصينية، فإن داعش التي تمددت في العراق وسوريا تنتمي الى ما يعرف بـ«الأممية الكوزموبوليتية» التي تطغى وتنكر ما هو وطني وقومي.
وإذا كان من غير المتوقع ان يتمكن ابو بكر البغدادي من إجراء محادثات مباشرة مع أي رئيس دولة في العالم، فإن زعيم الخمير الحمر (بول بوت) التقى وأجرى محادثات مباشرة مع الزعيم الروماني نيقولاي تشاوشيسكو عام 1978. لكن هذا لا يعني أنّ العزلة الدولية مطلقة في حال داعش، فتنظيمها ليس بمنأى عن التقاطعات الظرفية مع هذا المركز الإقليميّ أو ذاك – كذلك حال «الخمير» فبعد أن نبذتهم الصين نفسها وجدوا ضالتهم في دعم تايلند.
ومثلما اعتمد الخمير الحمر التعذيب والإعدام المركزي لقبضة وحشية على السلطة، فإن داعش تعتمد إدارة التوحش أسلوبا لسلطتها. واشتركت المجموعتان في تدمير الذاكرة الجماعية، حتى أنهما عملتا على تدمير الآثار التي تنتمي للمواريث الحضارية. مع ان داعش اتخذت من منهج تدمير الآثار (كما حصل في الموصل ونمرود) كأسلوب للتغطية على تهريب الآثار.
ويبدو انه مثلما الخمير الحمر كانوا يعملون في سياق الاكتفاء الاقتصادي الذاتي، فإن داعش تعمل على كل شيء يوفر لها موارد مالية,, يسيطرون على النفط ويبيعون ما ينتجون، ويتاجرون بالممنوعات، فضلا عن فرض الأتاوات والضرائب على نحو تعسفي.. وهذا كله أسهم في توفير موارد مالية ذاتية؛ وان بقيت قنوات التمويل الإقليمية مركزية عندها..
وإذا كانت وحشية بول بوت والخمير الحمر في كمبوديا أثناء حكمهم مؤشرا على انحسار المد الشيوعي السوفييتي وعلى قرب سقوطه، فإنّ وحشية البغدادي وداعش هي المؤشر على قرب انحسار الإسلام السياسي وقرب سقوط ما يسمى بـ(دولة الخلافة)..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً