اراء و أفكـار

بلد المفارقات العجيبة

احمد الجنديل

المفارقات في بلدي كثيرة، منها ما يثير الضحك، ومنها ما يوجب اللطم على الصدور والخدود، وجميع مفارقات بلدي مشرقة في الليل، ومختبئة داخل كهوف الظلام في النهار.
أكثر المفارقات قبحاً وخطورة، تلك التي ولدت مع ولادة مجلس الحكم الذي خرج من رحم عباءة بريمر، والتي بدأت بالصراخ المتواصل، والهتاف المستمر بوحدة العراق من جميع الأطراف التي ساهمت في إدارة البلاد، مع العمل الجاد والسريع لتفكيك العراق، ومنذ ساعة التوقيع على الدستور الرمادي الذي حمل في مفاصله بذور التقسيم، والقوى السياسية التي بصمت على الدستور تصر على وحدة العراق نهاراً، وتسعى إلى تمزيقه ليلاً، ومنذ ساعة الهرولة وراء مبدأ المحاصصة، وسرطان التقسيم يفتك بجسد العراق، والأطراف التي باركت المحاصصة وصفقت لها، ما زال بعضها يرفع راية الوحدة الوطنية، ويلوح ببيرق الشعب الواحد، للضحك على ذقون المغفلين، تمهيداً لجعل مشروع التقسيم مطلباً وطنياً وشرعياً، وعلى الجميع الخروج إلى الشوارع تأييداً له، والمطالبة بتنفيذه، ومنذ أن بزغت شمس الفدرالية، وأصحاب القرار يهتفون للأقلمة لكسب المزيد من الامتيازات (الوطنية) الشريفة التي ترفع رأس القاصي والداني، ورغم أن مشروع التقسيم أصبح واضحا للعيان، مثله مثل عاهرة عارية تستر جسدها بالهواء، إلا أنّ الصراخ لا زال عالياً، ووحدة العراق لا زالت تتصدر واجهات الشعارات التي تقطر زيفاً وكذباً وزوراً.
لقد وقفت القوى السياسية موقف المعارض لمشروع (بايدن) التقسيمي، وراحت تشجب وتستنكر هذا المخطط المشبوه، وعندما أسدل الستار عنه، خلعت هذه القوى المستنكرة رداء الوطن الواحد، وارتدت بدلة السهرة، وعليها خارطة الأقاليم، وحدودها، وأعلامها، حتى وصل بالبعض من الذين أنعم الله عليهم (بنعمة) الولاء للوطن والشعب، أن يذهب بمشروع التقسيم إلى أكثر مما ذهب إليه بايدن، وأبعد ممّا يجول في رأس إسرائيل.
ما يميز هذه المفارقة المبكية، هو أن البعض رفع عن عورته ورقة التوت، وبدأ يجاهر علناً بمشروع التقسيم، وإذا ما تابعنا خطوات هذه النوايا (الوطنية) نجد أن العراق سيذبح على صخرة التقسيم، وبسكين دعاة التغيير، عندها ستكون الكارثة قد حلت على الجميع، باستثناء رعاة (الوطن) الذين سيهاجرون إلى بلدانهم الأصلية، حاملين معهم حقائبهم الممتلئة بخيرات العراق المذبوح، وعلى الشعب أن يستعد لاستقبال عيد التقسيم، بالهلاهيل والزغاريد، وبعدها سينصب خيام العزاء بالصحراء، لاستقبال المعزين، وسط طقوس الذل، والعبودية، والتبعية.
إلى اللقاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً