اراء و أفكـار

وداعا يا شيخ الأحرار حارث الضاري

داود البصري

في ظل حمامات الدم المشتعلة في العراق, وحروب التصفية الطائفية القذرة التي دخلت منعطفا حاسما على صعيد تقرير مستقبل العراق كدولة, وكيان وشعب موحد, رحل عن عالمنا شيخ المجاهدين العراقيين, رائد المقاومة الوطنية الرافضة للاحتلال, ولكل ما جاء من عبث فوضوي مزق العراق ووضعه على سكة الندامة, وفتح ملفات فتنة سوداء لن تنتهي إرهاصاتها في المديات المنظورة على الأقل.
رحل الشيخ حارث الضاري إلى جوار ربه في زمن عراقي صعب تميز بسيادة الفوضى وتعملق الأقزام وانهيار الدولة الوطنية التي قاتل أبومثنى من أجل أن تبقى وتستمر, وأن يستمر العراق حاملا راية العزة والكرامة, ورسالة الإسلام الحنيف, مؤديا دوره العربي والإقليمي, مؤكدا على ثوابت الوطنية والعقيدة.
لقد غاب ابو مثنى وأحرار العراق يتهيأون لخوض مرحلة تحد صعبة تتمثل في الحفاظ على الهوية الوطنية التي تتعرض لتهديدات ستراتيجية خطرة بعد أن أضحت الهوية الطائفية هي المحك والمعيار للأسف في تقويم الأمور.
غياب الشيخ حارث الضاري في هذه المرحلة الحرجة يشكل طعنة حقيقية لصراع أحرار العراق من أجل التخلص من الهيمنة والاستمرار في رفع راية التحدي من أجل عراق حر مستقر ووطن جامع مانع لجميع أبنائه بمختلف طوائفهم ونحلهم.
لقد عاش الفقيد وهو يكحل عينيه برؤية وطن عراقي جديد ينبثق من بين الركام كطائر الفينيق, ليعيد رسم خارطة الطريق المستقبلية وليرسم الأفراح بدلا من الأحزان والمصائب المتهاطلة بالجملة على رؤوس العراقيين, والشعب يتعرض لحملات إبادة وتصفية رهيبة تمارسها العصابات الطائفية الحاملة لراية المشروع الطائفي التخريبي المريض.
لقد كان حارث الضاري قامة نضالية شامخة باسقة معبرة عن أصالة الأحرار ومستلهمة الصمود والمقارعة من تاريخ وسجل مشرف لعائلة خبرت النضال وخاضت التحديات, وكان لها شرف تفجير ثورة 1920 التحررية التي كانت بداية الانبثاق العراقي الجديد بعد قرون من الظلام والضياع.
سلم أبومثنى الراية وهو واقف كالنخل وصامد على عقيدته ومبدئه, ولم ينحن أوتركع هامته إلا لرب العزة والجلال, وأبى حتى الرمق الأخير إلا أن يكون شامخا وصلبا كالسنديان في مواجهة الهجمة المشبوهة التي تستهدف العراقيين ومن خلفهم العرب أجمعين.
كان أبومثنى ثابتا على الحق لايتزعزع, عزيز النفس, قوي العقيدة, مؤمناً برب العباد, يصول صولة الأبطال في ساحات الوغى وميادين المواجهة من أجل مستقبل عراقي أفضل, ومن أجل عراق يكون وطنا للجميع وليس مجرد نفاية طائفية ومعبرا للغزاة ومحطة للفاشلين.
توفي حارث الضاري وعيونه تتطلع إلى وطنه المبتلى بالمصائب والمحن, وفي زمن هوالأصعب والأدق والأشد حساسية, فمعاول الهدم وسيوف القتل تتناوش العراق والعراقيين من كل حدب وصوب, وأهل النخوة والمروءة والكرامة والتوحيد يتعرضون لمجزرة ولهجمة حاقدة لن تزيدهم إلا إصرارا على المقارعة والتحدي وطلب النصرة والعون من رب العباد. لقد كان حارث الضاري مدرسة إيمانية وجهادية قارعت الظلم وتصدت لطغاته ورفضت الارتماء في أحضان الباطل, كان واضح الرؤية والمنهاج وهويعلن مواقفه الحرة الصريحة التي لم تعجب الكثير وتعرض بسببها لما تعرض من مطاردة واتهام بدعم الإرهاب رغم أنه أبوالأحرار وسيد المجاهدين الحقيقيين البعيدين كل البعد عن الأغراض السيئة والنوايا الخبيثة.
سيظل حارث الضاري وهو في دار الخلود أيقونة جهادية شامخة, وستبقى ذكراه ومراحل جهاده دليل عمل للأجيال القادمة, وهي تنهل من مدارس خيرة الرجال الذين أنجبهم العراق, وكان نصيبهم التشرد وحتى الدفن خارجه.
لقد رحل سيد المقاومة لدار الخلود وعيونه ترنو إلى يوم خلاص العراق, وحيث سيسير أبناؤه ومن خط طريقه مساره نفسه الحر الخالد, فرحم الله شيخنا الجليل وأسبغ عليه شآبيب رحمته, وسلام عليه يوم يبعث حيا عند مليك مقتدر, لقد رفع راية الحرية التي لن تنتكس وستظل خالدة عبر العصور… رحم الله أبا مثنى لقد أدى الأمانة وصان عهد الجهاد والمجاهدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً