اراء و أفكـار

ثقافة التهريج وسياسة التهميش

احمد الجنديل

عندما تجد نفسكَ محاطاً بآلاف الأسماء والعناوين، وغارقاً بين أكداس المطبوعات، ثمّ تكتشف أنّ الذي أمامكَ لا يمت بصلة إلى الثقافة، ولا يقترب إلى الخَلق، وانّ الخراب الذي عمّ الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد استهدف الجانب الثقافي، ووصل إلى تهميش المبدعين، عندها تكون الكارثة قد استحوذت على الحياة وأحالتها إلى رماد.
وعندما يكون التهميش ناتجاً عن إرادة سياسية هدفها تحريك المسار الثقافي وفق ما تريد، فلا بد من اندلاع حرب بين ثقافة المبدعين وبين ما تسوقه القوّة تحت عناوين الثقافة.
كل الإرادات السياسية وعلى مر العصور، تطالب المبدعين أن يكونوا (شقاوات) ثقافة، وتطلب منهم العزف على أوتارها، والأكل من فضلاتها، والتنفس من رئة الحاكم التي يمنحها لها.
وكل المبدعين وعلى مر العصور يخوضون المعركة ببسالة لاعتقادهم الراسخ بأن الحرية وحدها القادرة على خلق الإبداع، ومع ضراوة المعركة وشراستها، يسقط مّنْ يسقط نتيجة أساليب الترغيب والترهيب، ويهاجر مَنْ يهاجر خوفاً من البطش والتنكيل، ويبقى مّنْ يبقى يتحدى ويحتج ويقاوم.
وفي كل العصور عندما ترى الإرادة السياسية أن عدوها بدأ يتعافى، تهرع إلى خزينها الاحتياطي من (مثقفيها) فتدخله إلى الخدمة، بعدما تمنحه الجاه والمنصب، وتضعه في صدارة المشهد الثقافي، وتبدأ تنفخ فيه، وتلقنه دروس الطاعة والوفاء لها، هؤلاء الذين يواصلون الليل بالنهار من أجل أن تكون أربطتهم زاهية رغم انطفاء أقلامهم، وجفاف أخلاقهم، قد لعبوا دورا سلبيا في عرقلة نمو المشروع الثقافي، لسببين، الأول: إنهم لم يعرفوا النجاح ولم يقتربوا منه، والثاني: كونهم (مبدعين) من طراز مخيف في فن الكذب والنفاق، ومع رعاية السلطة لهم، شكلوا جبهة عريضة قوامها التخلف الثقافي ورصيدها النفاق، فزادوا المشهد الثقافي تفككا وتشرذما، ومن يرغب في معرفة الحقيقة بوضوح عليه الاطلاع على التاريخ القريب، ليقف على عمق الشرخ الذي أحدثه هؤلاء في مسيرة الثقافة، فالأقلام التي تنمو وترعرع داخل الحدائق الخلفية لقصور الملك لا يمكن لها أن تمنحنا رفضاً واعياً نستطيع من خلاله شحن حياتنا بمفاهيم جديدة من أجل ازدهار وسعادة الإنسان.
لقد بذلت الحكومات المبالغ الطائلة والجهود الكبيرة من أجل أن يكون المثقف سمسارا رخيصا لمشاريعها، وبوقا لسياستها، وخادما لتنفيذ رغباتها، ففي الأمس القريب فشلت حكومة البعث في تبعيث الثقافة، فهل ينجح الإسلاميون اليوم في أسلمتها؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً