اراء و أفكـار

من يثأر لحضارتنا المغدورة؟

سلام مكي
أخشى ان تتحول الكوارث المتلاحقة على العراق، الى حالة طبيعية، سرعان ما ينطفئ لهيبها، فمنذ سقوط الموصل بيد الارهاب، وحتى اليوم، يتفاجأ الشعب العراقي، بين فترة واخرى بكارثة جديدة، بدءا من سجناء بادوش الذين قتل العشرات منهم على الهوية الطائفية ومن ثم ضحايا سبايكر الـ1700 وبعدها تفجير جوامع الموصل التاريخية وغيرها الكثير من الكوارث، وانتهاءً بالكارثة الافدح: تحطيم الآثار العراقية الموجودة في متحف الموصل التاريخي.
الفعل الاجرامي الذي اســـتهدف حضارة وتاريخ العراق، من قبل جهة طارئة على الانسانية، لم يكن له رد فعل مناسب لا من قبل الحكومة ولا من قبل الشارع العراقي، ما عدا بعض الادانات الفيسبوكية من قبل مثقفين اغلبهم يعيشون في الخارج او من مثقفين عرب تربطهم علاقات مع مثقفين عراقيين. هل يعقل ان اهم جهة ثقافية رسمية وهي وزارة الثقافة صامتة حتى الآن على هذه الجريمة؟ هل يعقل ان اتحاد الادباء لا يصدر له رد فعل سوى بيان يتيم؟ هل يعقل ان الشارع العراقي لم يخرج في مظاهرات تنديدا بالعمل الهمجي الذي استهدف حضارته الانسانية وتاريخه؟.
وبالمقابل نرى ان هناك من انشغل بمعرفة: هل ان التماثيل التي حطمتها “داعش” اصلية ام مقلدة؟ ولا ندري ماذا سيفعل لو علم انها اصلية، مع العلم انه يريد في نفسه ان تكون مقلدة، والمشكلة انها لو كانت مقلدة، فالسؤال هو: اين ذهبت الاصلية؟.
“داعش” ارتكبت هذه الجريمة البشعة بحق حضارتنا التي سبقت كل المعتقدات التي تؤمن بها “داعش”، بناءً على مجموعة من النصوص الدينية المنسوبة الى النبي محمد (ص)، والمشكلة اننا لم نسمع حتى اليوم بأن جهة دينية او مؤسسة قالت: ان هذه النصوص دخيلة على التراث الاسلامي، وانها ليست صحيحة.
ان القتل اليومي الذي تمارسه “داعش”، وهدم التماثيل، وسبي نساء الايزيديين، وحرق الطيار الاردني والعشرات من المواطنين العراقيين، كلها جرائم تدعي “داعش” بأنها تمّت بناءً على نصوص دينية موجودة في الكتب التي تضم اهم روافد التراث الديني، وهذه الكتب يؤمن عدد من المسلمين بأنها صحيحة وغير قابلة للخطأ، حتى بعد ان طبقتها “داعش”، ونالهم منها القتل والتهجير والتفجير.
فهل هناك من يقول: كفى للتراث الذي يبيح قتلنا؟ هل هناك مثقف يتجرأ ويقول بأن علينا مراجعة الكتب والفتاوى التي تسببت بقتلنا؟ وهنا نقول بأن بعض المثقفين يسكنون خارج المناطق التي تقع تحت سيطرة “داعش”، ولكنهم لا يزالون صامتين لليوم.
“داعش” اساءت الى الدين الاسلامي والنبي محمد اكثر بكثير مما اساءت المجلة الفرنسية والرسوم المسيئة، ولكننا شاهدنا كيف خرج الآلاف من المسلمين في مظاهرات غاضبة، منددة بتلك الرسوم لأنها اساءت لرسولهم، ولكن اساءة “داعش” للاسلام لا احد يخرج بتظاهرات ضدها في العالم الاسلامي!.
ان سكوت بعض رجال الدين على افعال “داعش” يعني انهم موافقون على تلك الافعال، فتهديم التماثيل لأنها تدعو الى الشرك استنادا الى نصوص دينية، هنالك من يوافق عليه، لذلك يجب ان يتحد رجال الدين الاسلامي في رؤية محددة ليقولوا لنا: ان تهديم التماثيل لا علاقة له بالدين وان النصوص التي يستند عليها تنظيم “داعش” الارهابي هي نصوص مزيفة وموضوعة ولم تصدر من النبي (ص).
إن المؤسستين الدينية والثقافية معنيتان بهذه الكارثة، وتقع عليهما مسؤولية التصدي لهذا المنهج الارهابي والظلامي، كما ان الحكومة تقع عليها هي الاخرى مسؤولية الثأر لحضارتنا المغدورة، وعليها ان تضرب بيد من حديد كل الجهات التي تساهم على تقوية نفوذ “داعش”، وعليها ان تلجأ الى المجتمع الدولي لإثبات تورط بعض الدول الاقليمية في دعم “داعش” من خلال تخريب المعالم الحضارية للبلد، من نهب وتهريب للآثار والمتاجرة بها وتحطيم ما تبقى منها، كما ان عليها اتخاذ اجراءات فورية وعاجلة تتناسب مع الجريمة التي ارتكبت بحق الإرث الحضاري للبلد.
على الحكومة ان تحارب على جبهتين، الخارجية والداخلية، والجبهة الخارجية تبدو اسهل من الداخلية على اعتبار ان العدو الخارجي معروف وان استهدافه لا يجد معارضة من بعض السياسيين بداعي الاستهداف الطائفي والسياسي ولا تتدخل فيه الارادة السياسية بوجه القانون، اذ يمكن للحكومة العراقية ان تواجه اية دولة اقليمية يثبت تعاونها مع “داعش” في تهريب النفط العراقي وفي تهريب الآثار وفي تسهيل دخول الإرهابيين الى اراضيها ومن ثم الى الاراضي السورية والعراق، وهنا لا بد من الوقوف بحزم ضد الدول الداعمة للارهاب مثل تركيا التي تقدم جميع التسهيلات للإرهابيين للتنقل بحرية دون قيود، كما انها تستقبل الارهابيين القادمين من الدول الاوروبية في مطاراتها وتوجههم نحو الاراضي السورية ومن ثم الى الاراضي العراقية.
والمستغرب هو أن الجميع يقف مكتوف الايدي تجاه هذا الفعل، لا الامم المتحدة ولا اميركا ولا الاتحاد الاوروبي يتدخل، في وقت يدعون فيه الى محاربة الارهاب والتطرف، ويقودون تحالفا دوليا يكلفهم ملايين الدولارات يوميا في غارات جوية لم تظهر نتائجها على الارض رغم مرور عدة اشهر على انطلاقها.
على الحكومة العراقية ان تتخذ اجراءات صارمة بحق هذه الدولة وغيرها وان تقلل من حجم التبادل التجاري معها او ان تقدم شكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية او مجلس الامن.
وداخليا، على الحكومة العراقية ان تعطي للقانون الاولوية على السياسة، وان تضرب بيد من حديد، ولكن بقاء المحاصصة السياسية والانتقائية في تطبيق القانون، يساعد على بقاء الوضع على ما هو عليه دون تغيير. على الحكومة ان تكون اكثر قوة في محاربة الارهاب وألا تجعل كارثة تحطيم الآثار العراقية تذهب دون حساب، كغيرها من الكوارث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً