اراء و أفكـار

الاستنزاف الإيراني المهلك في أوحال العراق

داود البصري
المعارك الساخنة الدائرة في شمال بغداد وجنوب دمشق وصولا الى جنوب الجزيرة العربية في عمق جبال اليمن , تمثل حالة استنزافية رهيبة للمؤسسة العسكرية الإيرانية التي تباهت اخيرا كثيرا في استعراض قوتها العسكرية عبر مناوراتها المستمرة في مياه الخليج العربي وعبر تفعيل تحالفات الماضي مع الأنظمة الموالية أو الجماعات الطائفية في العراق أفغانستان وهي علاقات تحولت بعد المتغيرات السياسية الكبرى في الشرق تحالفات عسكرية وأمنية تصب في خدمة مجهود دولة الولي الإيراني الفقيه ,فالأحزاب الطائفية العراقية مثلا والتي كانت تلوذ تحت الخيمة الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي ثم تلاشت وهربت الى المنافي بفعل اليأس والإحباط , جاء الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 لينفخ فيها الروح ويعيد لها نبضات الحياة , تحولت اليوم لتكون أحد أهم أذرع النظام الإيراني الضاربة في الشرق, فالميليشيات العراقية الطائفية باتت أقوى من جيش الدولة وأكثر تسليحا وعدة وتمتلك عقيدة قتالية وتوجه ستراتيجي عبر عن خبايا ذاته من خلال الشعارات الثأرية الأخيرة في معارك صلاح الدين والأنبار! وهي شعارات طائفية بائسة تهدف في نهاية المطاف الى تمييع الدولة العراقية وتشكيل مؤسسة الحرس الثوري العراقي بل وإعلان قيام ولاية العراق الملحقة بديوان الولي الإيراني الفقيه, وهي مسألة باتت قيد التنفيذ الميداني وتعتمد على النتائج النهائية للمعارك الدائرة في العراق والتي يحاول الإيرانيون إدارتها ليس من خلال الجيش الحكومي الرسمي العراقي بل من خلال المجاميع المسلحة المرتبطة بهم والمنضوية تحت إطار مايسمى قوات الحشد الشعبي التي اضفى عليها القائد العام ورئيس الحكومة حيدر العبادي صفة الشرعية من دون التنسيق ولا الإتفاق مع وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي الذي يبدو وهو العسكري المحترف مجرد شاهد شاف كل حاجة ولكنه لا يستطيع تقرير مصير العمليات ولا شكلها ولا الدخول في تكتيكاتها أوالتأكد من نجاح ستراتيجيتها وضع غريب للغاية يعيشه العراق مع تدفق القوات البرية الإيرانية على حصون تكريت مترافقا مع رفع الجماعات الطائفية لشعارات الثأر الدموية الاميركي, وكذلك دخول الطيران الإيراني المعركة بعد القرار الأميركي بعدم التدخل والإكتفاء بالمراقبة والمتابعة, الإيرانيون باتوا يقدمون خسائر بشرية مروعة في الساحتين العراقية والسورية, كما أن توسيع خطوط الإمداد الإيرانية لمسافات طويلة في الشرق الأوسط قد بات يفرض على صانع القرار الإيراني خيارات مزعجة لعل قمتها تتمثل في استنزاف إقتصادي رهيب في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها إيران وتدهور الأوضاع الداخلية , وبروز مؤشرات رفض وإضرابات شعبية في العديد من القطاعات كإضراب المعلمين مثلا , يضاف لذلك تصاعد الحراك الجماهيري للشعوب غير الفارسية مثل ما يحصل حاليا في الأحواز المحتلة وعمليات المواجهة المسلحة في مدينة “الفلاحية” أوشادكان, وغيرها.
وهي جميعها مستجدات ساخنة لم يتعود الإيرانيون على التعامل معها منذ إنهيار الربيع الإيراني عام 2009 النظام الإيراني يتباهى اليوم بأن قواته تعدت وتجاوزت كثيرا ذلك الخط المستقيم القائم بين كابول وبيروت مرورا ببغداد ودمشق,وتوغلت في عمق الجزيرة العربية وعلى أبواب باب المندب للمرة الاولى منذ عهد كورش الكبير! ولكن ما لم يتحسب له الإيرانيون هوأن حجم الإستنزاف القائم سيكون أمرا غير مسبوق في التاريخ الإيراني وحتى الدولي ويذكرنا بمأساة الجيش السوفياتي الأحمر في أفغانستان منذ عام 1978 وحتى سقوط الإتحاد السوفياتي وإختفاء تلك القوة العظمى من الخارطة عام 1991 ثمن قاس ومكلف وصعب سيدفع الإيرانيون كامل استحقاقاته وبما سيقلب الأوضاع الستراتيجية في المنطقة بشكل درامي وعربيا ينبغي التذكير فقط بأن أحد أسباب إنهيار الجيش المصري في حرب الأيام الستة عام 1967 كان التدخل العسكري المصري في اليمن والذي استنزف طاقات وقدرات وفرض وقائع مريعة بات الإيرانيون اليوم ينجذبون اليها بقوة وسترتد عليهم وبالا بقسوة سنرى نتائجها الميدانية وهي ترتد في العمق الإيراني قريبا. وكما يقول سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه “ما أكثر العبر وأقل الاعتبار”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً