اراء و أفكـار

«مجزرة الحضارة» في متحف الموصل… مسؤولية من؟

القدس العربي

وقف العالم يتفرج خلال اليومين الأخيرين فيما كان تراث الحضارة الإنسانية يتعرض إلى مجزرة غير مسبوقة، فقد على إثرها جزءا نادرا من أقدم كنوزه، اذ انهال مقاتلون من تنظيم «الدولة الإسلامية» بكل ما اوتوا من قوة وغل على التماثيل والمقتنيات التي تنتمي إلى الحضارة الاشورية العريقة في متحف الموصل ودمروها.
وشعر كثيرون حول العالم بمزيج من الألم والاشمئزاز، بينما تابعوا مشهد المسلحين وهم يقومون بدفع ورمي تماثيل أثرية عديدة وتحطيم أخرى بالمطارق وبالمناشير وأجهزة الحفر الكهربائية لتصبح قطعاً صغيرة.
ويعتبر علماء ومتخصصون بالآثار متحف الموصل من أهم متاحف العالم حيث يحتوي على آلاف القطع الأثرية، وسرق العديد منها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، وما صاحبه من فوضى أمنية وعمليات سرقة لعدد من متاحف العراق.
وباستثناء مطالبة ايرينا بوكوفا، مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) بعقد اجتماع طارىء لمجلس الامن الدولي، وتصريحات منددة من عدد من المسؤولين، بينهم الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند والامين العام للجامعة العربية نبيل العربي، يبدو انه من غير المتوقع حصول اي رد عملي على هذه التجاوزات، وهو ما يجعل خبراء الآثار يحذرون من انها لن تكون الاخيرة، وان الهدف المقبل للإرهابيين قد يكون مدينة نمرود التاريخية التي تعد من أهم العواصم الآشورية والمليئة بالآثار النادرة.
ولم ينس المتطرفون وهم يرتكبون جريمتهم في متحف الموصل ان يحاولوا تحميل مسؤوليتها للدين الإسلامي، فقال احدهم «هذه أصنام وأوثان لأقوام في القرون السابقة كانت تُعبد من دون الله»، وهو ما يجعل من الضروري التوقف مليا للبحث عن المسببات والاهداف الحقيقية لهذه المجزرة.
اولا: ليست هذه المجزرة الاولى من نوعها التي يرتكبها هذا التنظيم، ولن تكون الاخيرة، ما يشير إلى سعي مستمر نحو القضاء على التراث الثقافي والحضاري في هذا الجزء من العالم، وبالتالي تحويل العرب إلى شعوب بلا تاريخ او مستقبل او شخصية ثقافية وحضارية، وهكذا يسهل اعادة صياغة هويتهم، وتطويعها ضمن مشروعه الظلامي. وبعيدا عن نظرية المؤامرة، فان هذا النهج يخدم أجندات اقليمية ودولية تشاركه في اوهام القوة والهيمنة. وللأسف فان المراجع الإسلامية تكتفي باصدار بيانات الادانة في اعقاب كل مجزرة، متجاهلة مسؤوليتها الانسانية والدينية والاخلاقية عن حرمان ذلك الفكر الظلامي من الغطاء الذي يستغله لتجنيد الشباب وارتكاب المزيد من الجرائم. بينما الواقع ان كل سكين يذبح بريئا، وكل معول يهدم تراثا انسانيا، انما يترك اثرا مدمرا بل ووجوديا على الإسلام وصورته في أعين كثير من انصاره وخصومه على السواء.
ثانيا: أصبح كثيرون في العالم العربي يعتقدون أن ما يقوم به التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من غارات في العراق وسوريا منذ نحو ثمانية اشهر ليس سوى مسرحية رديئة الاخراج، تهدف إلى التغطية على هدفها الحقيقي وهو امهال التنظيم لتثبيت اركانه، وليس القضاء عليه او حتى احتواءه. والا كيف يمكن تفسير فشل الدولة الأقوى في العالم ومعها عشرات من حلفائها في القضاء على مجموعات لتنظيم لا تملك أنظمة دفاع جوي او سلاح طيران او اجهزة مخابرات حديثة، لكنها تجد طائرات (غامضة) تلقي اليها بالاسلحة والعتاد بين فترة وأخرى في مناطق خاضعة بالكامل للسيطرة الجوية الامريكية (..)؟.
وكان صادما ان احد القادة العسكريين الامريكيين تطوع الاسبوع الماضي بابلاغ التنظيم على الهواء مباشرة بأن القوات العراقية تعد لشن هجوم تحرير الموصل في نيسان/إبريل او ايار/مايو المقبلين (..)، وهو ما دفع مقاتلي التنظيم إلى تلغيم الجسور في المدينة سريعا تحسبا للعملية التي ربما فقدت عنصر المفاجأة، واصبحت معرضة للالغاء.
وفي ظل استمرار هذا التقاعس المريب في مواجهة التنظيم سواء ايديولوجيا او سياسيا او عسكريا، قد لا يجد العالم، حتى اشعار آخر، مفرا من مشاهدة المزيد من الفيديوهات لأهوال يشيب لها الولدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً