اراء و أفكـار

حرب الإخوة الأعداء في كركوك ؟

داود البصري
“ان الحدود ترسم بالدماء”! عبارة ذات دلالات معنوية وستراتيجية مهمة تفوه بها رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني, وهو يحاول ردع جماعات الحشد الشعبي الطائفية من اجتياح كركوك والتمركز فيها, وحتى الاستيطان من اجل قتال تنظيم الدولة الاسلامية الذي يهدد المدينة وضواحيها وعموم كردستان والعراق, والجانب الكردي ونتيجة لحسابات معروفة يرفض رفضا باتا دخول القوات التي يقودها هادي العامري وقيس الخزعلي, كركوك التي يعتبرها الاكراد خطا احمر لا يسمحون لاي طرف بتجاوزه, خصوصا بعد ان قدمت “البيشمركة” الكردية خسائر بشرية مكلفة جدا من اجل حمايتها من “داعش” التي تتمركز في اطرافها وحواشيها, فالمدينة تدور حولها حروب عراقية مصغرة منذ زمن بعيد يعود الى خمسينات القرن الماضي, وايام كان النفوذ الشيوعي طاغيا بقوة فحصلت المجازر بين الشيوعيين والاكراد, ثم جاء العهد البعثي ليفرض النظام سيطرته المركزية القوية, ويقوم بتشجيع القبائل العربية على الاستيطان فيها لحسم التوازن والصراع بين الاكراد والتركمان, رغم ان الاكراد يعتبرون المدينة قدسهم المقدسة التي لا يستكمل استقلال الكيان الكردي من دونها نظرا الى ثروتها البترولية الهائلة.
الحشد الشعبي وهو يحاول دخول كركوك, وقد دخلها فعلا, ثم اضطر للانسحاب نتيجة للتهديد الكردي الذي رفضه بدوره زعيم عصابة “العصائب” قيس الخزعلي الذي اعتبر كركوك مدينة عراقية ومن حق جميع العراقيين دخولها. وطبعا الرفض الكردي للجماعات الطائفية المسلحة ليس مجرد اقوال, وانما هو واقع يستند الى حسابات قومية كردية اساسا رغم سيف الترهيب الايراني المصلت على راس “البيشمركة” فقتال “البيشمركة” لعصابات “بدر” او “العصائب” او كتائب “حزب الله” ليس مجرد اقتتال داخلي عراقي بحت حدث ويحدث منذ عقود طويلة, بل انه مواجهة مباشرة مع الحرس الثوري الايراني والتي تمثل تلكم العصابات الواجهة العراقية له فهي جزء من تشكيلاته, واي اتفاق دخول, او عدم دخول, لكركوك ينبغي ان يتم التفاهم عليه من خلال السردار قاسم سليماني القمي الذي هو اليوم رقم عسكري صعب ومهم في العراق حتى ان اختصاصاته الميدانية تجاوزت بكثير اختصاصات وتحركات وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي ذاته! وصلت حتى لاختصاصات وزير الداخلية (محمد الغبان), وهو من الجمع الايراني اساسا! فسليماني يقود عمليات التعرض ¯ ويرسم الخطط, ويزور بيوت وعوائل القتلى من عناصر الميليشيات بمعية اقرب مقربيه وهو الارهابي ابومهدي المهندس!!, والحكومة العراقية لا تستطيع ضبط وتوجيه تحركاته, ولا حتى المعرفة المسبقة بها! وهي حالة غير مسبوقة في نظام الحكم العراقي الذي تصاغر الى حد التلاشي تقريبا امام السطوة الايرانية المرعبة, وسليماني لا يكتفي بكل هذا الدور الكبير في العراق باعتباره “الشاه غير المتوج”! وانما يتخذ من العراق قاعدة خلفية لادامة وادارة المعارك الايرانية في جنوب دمشق وشمال حلب التي شهدت تصعيدا ايرانيا كبيرا خلال الايام الماضية.
الاكراد يعلمون علم اليقين انه بتحديهم للميليشيات الطائفية في كركوك فهم يغامرون بدخول معركة مباشرة مع النظام الايراني لايبدو الطرفان على استعداد لتحمل نتائجها وتكاليفها, وستزيد الموقف الداخلي اشتعالا بما سيوفر لتنظيم الدولة الاسلامية عناصر قوة جديدة في ضوء الاستعدادات القائمة لمعركة الموصل المقبلة في الربيع القريب, والتي يبدو ان الاميركيين سيدخلونها هذه المرة بزخم ناري جوي, وبعناصر مقاتلة من ال¯ “مارينز” على الارض قد تكون رفيقة لسلاح الحرس الثوري الذي سيدخل المعركة ايضا اضافة الى الاكراد ووحدات خاصة من الجيش العراقي يتم تاهيلها واعدادها حاليا!
حروب الاخوة الاعداء في العراق ستكون قمة المشهد التراجيدي القاتم المقبل, لان انحسار “داعش” لابد ان ترافقه سيطرة جهة معينة لملء الفراغ الامني والعسكري والميليشيات الطائفية العراقية تتهيأ حاليا لاعلان قيام مؤسسة الحرس الثوري العراقي بعد استكمال كل التحضيرات من ايديولوجية وعسكرية واستخبارية. سيناريوهات ساخنة كبرى مقبلة للتطبيق في المنطقة, عمادها استمرار الاستنزاف المميت للطاقات والامكانيات في حروب عبثية ذات جوانب خرافية ايضا… وتلك هي المسألة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً