اراء و أفكـار

شارع الخميني في النجف!

داود البصري
في خطوة من خطوات الصدمة العراقية المعروفة, أطلقت الحكومة المحلية في مدينة النجف العراقية, وبرعاية نائب رئيس جمهورية إيران اسم الزعيم الديني الإيراني الراحل الخميني على أحد شوارع مدينة النجف في وقت وظرف عراقيين يتميزان باشتداد التوتر الطائفي ودخول البلد في معارك كسر عظم بين مكوناته, وأوضاع داخلية رثة لا تسر عدو ولا صديق, الخطوة النجفية هذه ليست مستغربة بالمرة ولاهي خارجة عن سياق الأحداث وتطور المسارات! ولكنها تأكيد يقيني جازم وثابت ومؤكد ان حجم النفوذ والهيمنة الإيرانية في العراق قد وصل حاليا في ظل الضعف الحكومي العراقي العام لأعلى مستوياته, وبأن النصر الإيراني المبين قد تحقق فعلا بعد أكثر من ربع قرن على رحيل الخميني, و12 عاما على رحيل وسقوط النظام العراقي الذي إشتبك في حرب مارثونية ساخنة مع نظامه لم تنته آثارها الرهيبة حتى اليوم.
تسمية الشارع النجفي بإسم زعيم ديني وسياسي إيراني مثير للجدل ويرتبط إسمه بمرحلة من أشد مراحل العراق, والمنطقة, اضطرابا و سخونة هو أمر يعبر عن ان التقدم الإيراني في العمق العراقي ليس مجرد مسألة سطحية بل أنه تجاوز ذلك ليتغلغل في الخلايا الحية والنسيج العميق لقطاع واسع وعريض من العراقيين, وهو ما سيعمق الخلافات الداخلية ويخلق الأجواء الممهدة و الجاهزة لفرض التقسيم المناطقي وإفراز الكانتونات الطائفية ضمن خطة تقسيم العراق التي وصلت اليوم لمحطتها النهائية منتظرة بعض الرتوش وربما بعض إشارات الانطلاق الدولية وحتى الإقليمية.
تسمية الخميني كشارع من شوارع مدينة عراقية ولو كانت دينية, ترافق مع رفع صور كل من الخميني وخليفته خامنئي في قلب بغداد وفي عمق منطقتها الدولية الخضراء, كما أن مدن الجنوب العراقي باتت هي البلاتوه أو الكاليري المفضل لمهرجان صور القيادات الإيرانية المختلفة وهو ما يؤكد على نجاح سياسة النفس الطويل والصبر العميق الذي تنتهجه القيادة الإيرانية وهي تبني القواعد والمؤسسات المؤيدة لها بصبر وأناة ليس في العراق فقط بل قبله في لبنان وبعدهم ما جرى في اليمن وما سيجري في أماكن عربية أخرى تمتد حتى للمغرب العربي!
التبشير الإيراني لا يعرف المهادنة أبدا وهو يعتمد اعتمادا تاما على عنصري الزمن والظروف الداخلية لبعض البلدان لإنضاج المشروع التبشيري الذي لا نشك في أنه حقق انتصارات مدهشة في العديد من المواقع مخترقا كل أسوار المنع والتضييق ورافعا الراية الإيرانية فوق الجميع.
نقولها عن خبرة ومتابعة دقيقة وتاريخية, الإيرانيون وهم يحفرون مواقعهم الثابتة اليوم في العراق تحديدا فهم إنما يؤسسون جسور عبور اضحت واقعية للجوار القريب والبعيد, والنجف تلك المدينة العربية الأصيلة التي أقامها الشيعة العرب على تخوم الصحراء العربية كانت شهيرة بمراجعها ورجالها وشعرائها وأدبائها وكانت قلعة من قلاع الثقافة العربية المحضة ومعقلا للفكر الشيعي الجعفري العربي قبل أن تهب رياح التغيير العاصفة التي عصفت بكل الأسس والثوابت وأسست لعراق سوريالي متصارع مع ذاته ومع الآخرين.
لن نستغرب أو نتعجب من إطلاق إسم الخامنئي, أو مطهري, أو سليماني, أو جنتي, أو حتى رفسنجاني على شوارع الكثير من مدن الشرق العربية أو حتى الخليجية, لقد تلاشى عصر الانبعاث العربي وبرز عصر الكانتونات الطائفية والتقسيمية, وتحولت عاصمة الرشيد الخالدة لتكون عاصمة لأبي مسلم الخراساني أو لجعفر البرمكي, كما تحولت البصرة الفيحاء لتكون عاصمة ل¯ »أروند رود«! وغدا ستتحول دمشق التاريخ لتكون عاصمة ل¯ قاسم سليماني! كما أنهم يطرقون بعنف على أبواب مملكة البحرين العربية لتحويلها للمحافظة الخامسة عشرة التابعة لإقليم فارس! كل الاحتمالات ممكنة ومتاحة في عالم عربي يزحف على بطنه من الفشل والتراجع والتخلف وفقدان الرؤية! نعزيكم في عروبة مدنكم العربية! والله حاله… والله طرطره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً