اراء و أفكـار

الشيزوفرينيا والسياسة

احمد الجنديل

لأساس في إدارة الحكم بطريقة سليمة، هو توفر العقل السليم القادر على استيعاب المشهد السياسي بكل أزماته وتناقضاته بعين بصيرة قادرة على فرز الخيط الأبيض من الأسود، ووضع الحلول الناجحة لكي تسير الأمور نحو أهدافها المرسومة، وصولاً إلى خلق الحياة الطبيعية للشعب.
وركيزة الحكم الناجح تعتمد على مخ ناجح مستقر، يعرف كيف يدير بوصلة الأحداث باتجاهها الصحيح دون اللجوء إلى لغة الكذب والتبرير، أو الاتكاء على منطق المراوغة والتسويف، والمتابع لطبيعة إدارة الحكم في العراق وعبر مراحله السابقة، يجد ثمة خللاً واضحاً أصاب العقل السياسي فانعكس سلباً على مجمل الحياة السياسية، وتمخض عن نتائج يعافها التفكير الرصين، ويرفضها العقل السياسي النزيه، فالعقل الحاكم في الفترات السابقة، فقد توازنه، وأثبت عجزه على ممارسة التفكير الصائب، ودخل إلى عالم الظنون والأوهام، وخلق سلوكاً قائماً على الوهم، وافترض أحداثاً ليس لها وجود على أرض الواقع، ونتيجة لهذا الانحراف، بدأ العقل المريض يتحرك وفق ما يراه من أحداث أفرزها الوهم، وبدأت السيكولوجية السياسية تدفع إلى السطح سياسيين مضطربين نفسياً، وآخرين مشكوك في لياقتهم العقلية، لهذا ظهرت الحاجة إلى فحص دوري لبعض السياسيين للتأكد من عدم إصابتهم بمرض الشيزوفرينيا السياسية، وعدم السماح بمن ابتلي بهذا المرض من تقلد المناصب السيادية، وأن يعتقد أن ما يقوم به من حماقات هو عين الصواب، مستعينا بجوقة الانتهازيين الذين لا هم لهم سوى التصفيق.
العملية السياسية الناجحة تعتمد على رؤية سياسية ناجحة، فالسلوك الانتهازي، والقفز من بيت حزبي إلى بيت آخر مغاير له، ودخول حزمة من الأحزاب المتنافرة فيما بينها في رأس واحد، وأن يكون المخ حاكما ومعارضاً في آن واحد، فهذه جميعها علامات واضحة لإصابة السياسي بمرض الشيزوفرينيا، ودلالات لدخول فيروس الفصام إلى العقل السياسي.
إنّ البعض من السياسيين أصيب بهذا المرض الخطير نتيجة الصدمة التي خلقتها الصدفة له، فبعضهم كانت أحلامه الكبيرة، وطموحاته الواسعة تتوقف عند وظيفة صغيرة، أو مركز متواضع، فإذا به يصعد إلى وظيفة لم تدخل في حساباته يوماً، وأمام هذا الوضع الجديد بدأ يطلق التصريحات التي لا تنسجم مع قدراته الحقيقية، ويمارس سلوكا ما اعتاد عليه طيلة حياته، ونتيجة لحصوله على الأموال الطائلة، فقد دفعته حاشيته إلى دخول عالم الوهم، وجعلته يعتقد بأنه السياسي العبقري الذي لا يشق له غبار.
وبعض السياسيين قد استشرى به المرض حتى وصل إلى آخر خلية تحت قحفة رأسه، ومن يريد أن ينقل العملية السياسية إلى مسارها الصحيح، فعليه أن يبدأ بعلاج هؤلاء المرضى، وإلا فأن هذه العملية ستتعرض برمتها إلى الخراب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً