اراء و أفكـار

المفاهمة الأميركية الإيرانية أقدم من داعش بكثير

إبراهيم الزبيدي

بكثير من الاستغراب والدهشة تلقى الإعلام العربي والأمريكي الرسالة السرية التي بعث بها المرشد الأعلى الإيراني إلى الرئيس الأمريكي، والتي كشفت عنها صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية، مؤخرا، وكأنها حدث طاريء ومفاجيء وغير متوقع.
وقد أخطأ كثير من المحللين العرب والأجانب حين اعتبروها دليلا على بدء سياسة مفاهمة سرية بين نظام الولي الفقيه وإدارة أوباما، ناسين تاريخ ولادة هذه المفاهمة، وظنوها نتيجة للظروف التي أوجدها داعش في العراق وسوريا والمنطقة.
والحقيقة أنها ليست من اختراع أوباما، بل هي أقدم منه بكثير، وبالتحديد من أيام الغزو الصدامي للكويت عام 1990. ولمن نسي أيام مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة وأسرارها وأخبارها نسرد له ما يلي.
إن إيران وسوريا، دون غيرهما، أمسكتا بأحزاب المعارضة العراقية وتجمعاتها (الشيعية) و(الكوردية) (العراقية) و(البعثية) العراقية السورية، واحتكرت قيادتها، تنظيميا وسياسيا، من أيام لجنة العمل المشترك (لعم) التي أعلن عن تأسيسها في 27/12/،1990 بمبادرة ورعاية من مخابرات النظام السوري ومخابرات الولي الفقيه، ومنعت أية جهة عراقية أو عربية أو دولية أخرى من اقتحام قلاعها المحصنة.
إلا أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت محاولاتها لإيجاد موقع قدم لها داخل هذه المعارضة، من أوائل العام 1991، وبالتحديد في مؤتمر بيروت، من خلال علاقتها القديمة بالحزبين الكورديين، وعلاقتها الجديدة بمعارضين عراقيين آخرين، منهم أياد علاوي وأحمد الجلبي، بشكل خاص.
وسرعان ما تحقق لها اقتسام الإشراف على نشاطات المعارضة العراقية، وتمويلها ورعايتها، إعلاميا وسياسيا، مع المخابرات الإيرانية والسورية، علنا ودون تستر، حتى أصبحت مؤتمرات المعارضة محتكرة ومحصورة بثلاثة فرقاء، أتباع إيران وبعثيي سوريا وحلفاء أميركا.
حتى أن الإدارة الأميركية خصصت سفراء لها متفرغين للإشراف على شؤون المعارضة، برضى وقبول علني من سوريا وإيران. وتوج ذلك بما سمي، يومها، بـ (المؤتمر الوطني الموحد) بقيادة أحمد الجلبي، والذي أسس لمؤتمر لندن كانون الأول \ ديسمبر 2002، ثم صلاح الدين شباط \ فبراير 2003 اللذين حددا شكل الحكم العراقي القادم، وحصص كل فريق فيه، وهو ما ظل قائما الى يومنا هذا، ولن يتغير بسهولة، وفي المدى المنظور.
وقد حار كثير من العراقيين والعرب في تفسير اللغز الشائك المتمثل في إصرار إدارة بوش الأب (الجمهورية) وإدارة كلنتون (الديمقراطية) ثم إدارة بوش الإبن (الجمهورية) وتبعتها إدارة أوباما (الديمقراطية) على احتضان أحزاب وتظيمات ومليشيات عراقية يعلم الأمريكيون، أكثر من غيرهم، علم اليقين، بأنها تابعة لإيران، بل إن بعضها إيراني من الولادة.
وينبغي هنا أن ننوه بأن هناك أحزابا وشخصيات شيعية عراقية لا علاقة لها بإيران، وترفض الانقياد لنظام الولي الفقيه، أقصيت عن جميع مؤتمرات المعارضة السابقة، ومنعت من المساهمة في الحكم الجديد، وفرض عليها تعتيم خانق منع صوتها وخطابها من الوصول إلى الجماهير العراقية، حتى لفها النسيان. بل إن بعضها تعرض لأعمال انتقامية دموية وتصفيات جسدية خطيرة من قبل عملاء مخابرات إيران ذاتها، أو من قبل وكلائها العراقيين.
والخلاصة أن أمريكا لم تُخدع بأولئك القادة، ولا بارتباطاتهم وتوجهاتهم وأهدافهم السرية والعلنية معا. فإدارة قوات التحالف، وهي أمريكية خالصة، لم تمنع انزلاق العراق إلى الخراب الذي جاء على أيدي حلفائها الإيرانيين والسوريين، وهي ترى، ومن الأيام الأولى للغزو، قادة الأحزاب الشيعية المُصنعة في إيران يستقبلون، علنا ودون مواربة، آلاف المسلحين الداخلين إلى العراق من إيران، بذريعة كونهم مواطنين عراقيين مبعدين إلى إيران من قبل النظام السابق، وهي تعلم أنهم أعضاء مليشيات لا تخفى هوياتها ولا نشاطاتها الانتقامية على أحد. وليس معقولا أن الأمريكان لم يكونوا يعرفون حقيقة ما كان يجري في قواعد ومقرات تلك الأحزاب والمليشيات ومناطق نفوذها.
ثم تجاهلت القيادة المدنية والعسكرية الأميركية حملات التهجير الطائفي والعرقي التي قامت بها فصائل فيلق بدر ومليشيات مقتدى الصدر وحزب الدعوة وغيرها ضد مكونات عراقية معينة أخرى.
ثم حين انتهت صلاحية مجلس الحكم وعُين أياد علاوي رئيسا لوزارة ما سُمي بعهد (نقل السيادة) كانت إيران قد تحولت إلى قوة فاعلة حقيقية في العراق، تُعز من تشاء، وتُذل من تشاء، وتفرض أتباعها ومريديها على الرئاسات والوزارات والسفارات ومجالس المحافظات والبلديات والمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية، وحتى محطات بيع الوقود، علنا وعلى مسمع ومرأى من القيادة المدنية والعسكرية الأميركية الحاكمة في العراق.
وهاهو العراق اليوم، لا يستطيع أيٌ كان، حتى لو كان الرئيس الأميركي نفسُه، أن يأخد مكانا في صدارة السلطة في العراق إذا لم يحصل على موافقة إيران.
والسؤال الذي ينبغي أن نجيب عليه الآن، هو، هل إن رسالة خامنئي لأوباما تؤسس اليوم، فقط، لسياسة مهادنة أمريكية إيرانية في العراق والمنطقة لمحاربة داعش، أم إن هذه السياسة قائمة وراسخة ومستمرة قبل داعش بسنين وسنين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً