اراء و أفكـار

الثورة السورية وعواصف التورط الإيراني

داود البصري
ليس سرا ابدا القول بان المعارك الشرسة الدائرة في عموم سورية بعد اربعة اعوام من اندلاع الثورة الشعبية, باتت تسير اليوم وفقا لقواعد اشتباك وخطط عسكرية وتحركات ميدانية يخطط لها وينفذها ويتعامل معها الحرس الثوري الايراني وعناصره والتجمعات العصابية الطائفية المرتبطة به في المنطقة العربية, وخصوصا حزب الله اللبناني وتشكيلة العصابات الطائفية العراقية التي ضمها تحت لوائه والتي تشكل البذرة الجينية الاولى لتكوين الحرس الثوري العراقي.
لقد وصل التحالف الستراتيجي بين نظامي طهران ودمشق والذي افرز نتائجه الاولى والمباشرة منذ اكثر من ثلاثة عقود ونصف عبر التحالف الذي فاجا العالم عام 1980 بين نظام البعث السوري ايام حافظ اسد, ونظام الخميني بعد اندلاع الحرب العراقية – الايرانية ووقوف سورية وبشكل منفرد عن بقية الاطراف العربية بجانب الايرانيين في ذلك النزاع المسلح الشرس رغم الشعارات والاهداف الايرانية المعلنة والصريحة والرافضة لايقاف الحرب الا بشرطين مهمين وهما محاكمة النظام العراقي السابق, واقامة الجمهورية الاسلامية في العراق وهو ماكان يصطدم ويتناقض مع العقيدة السياسية القومية لنظام دمشق, ومع ذلك استمر التحالف بين نظامين متضادين في المنهج والسلوك ولكنهما متفقان في مسائل عدة اهمها السياسة القمعية الداخلية والتوجه الشديد لتدعيم الاجهزة الاستخبارية واستعمال دمشق للنظام الايراني كورقة ضغط في علاقاته العربية.
المهم ان متغيرات عدة قد طرات خلال مسيرة 35 عاما من التحالف توجت بتقدم ميداني ايراني هائل في العمق السوري ومن خلاله اللبناني وانتجت وضعا جعل دمشق الرسمية تحت الوصاية الايرانية بالكامل لدرجة ان النظام السوري ضرب بعلاقاته العربية عرض الحائط من اجل ارضاء طهران, ما كرس نفوذا وتموقعا ايرانيا مركزا ومذهلا عبر عن ذاته في جوانب عدة لا نود الخوض في تفاصيلها وثناياها.
لقد كان واضحا منذ بداية اندلاع الثورة السورية قبل اربعة اعوام ان جانبا منها كان يشير للتورط البعيد في التحالف مع الايرانيين, كما ان الايرانيين بدورهم قدموا خدمات استشارية في مجال افشال الانتفاضات الشعبية كما فعلوا مع ربيع طهران البنفسجي وحركة الشارع الايراني العام 2009. ولكن المشكلة في الشام كانت مختلفة الزوايا والابعاد والتراكمات. ولم تنفع كل النصائح الاستشارية في تهدئة الشارع السوري المنتفض حتى وصلت الحال, وبعد صبر شعبي طويل وقمع حكومي وحشي معهود لمرحلة المواجهة المسلحة والتي استنزفت النظام بالكامل, رغم انه استعمل كل خزينه التسلحي المعد للصمود والتصدي في مواجهة الشعب الاعزل, الا ان الاصرار الشعبي على كنس النظام كان اقوى من كل اسلحة النظام وجيشه الذي انهار واقتصاده الذي تدهور واوضاعه التي وصلت للحضيض بعد الانقسام الكبير والانشقاق الواضح في مؤسسته السياسية وتدمير الكثير من خلايا النظام الاستخبارية الحيوية كما حصل في مصرع القادة الامنيين وفي طليعتهم اصف شوكت وهشام بختيار وغيرهما من رموز النظام البارزة, لقد انهارت الطبقة الشفافة التي كانت تغطي سوءات النظام وانتهى الدور المسرحي لحزب البعث السوري بعد تغييبه عن الاحداث وانزواء قياداته المهمشة اصلا. واخذ الايرانيون زمام المبادرة لكونهم باتوا يدافعون عن خط دفاعهم الرئيسي ومعقلهم المهم في الشرق الاوسط, وتصدروا المواجهة بشكل علني بعد ان افلس النظام وتوسعت مساحات المواجهة العسكرية وفقد الكثير من مواقعه حتى باتت العاصمة دمشق تحت رحمة صواريخ الثوار ومدافعهم مما يعني عسكريا اقتراب ساعة الحسم المؤدية للانهيار التام.
الايرانيون يخوضون اليوم المعركة في الشام من خلال قواعدهم الخلفية في العراق الذي هيمنوا على مقدراته بعد ان باتت اجواؤه ومطاراته وقواعده تحت خدمة قيادة الحرس الثوري والجنرال قاسم سليماني هو من يتحمل اليوم المسؤولية الاولى في ادارة ساحة العمليات الممتدة من العراق حتى بيروت, والعمليات العسكرية الاخيرة في جنوب سورية وفي منطقة حوران وريف درعا التي شهدت تدفقا مباشرا لعناصر الحرس الثوري الايراني وحلفائه العراقيين واللبنانيين هي اليوم بمثابة اخر معارك الدفاع الستراتيجي عن دمشق ومصيرها الذي بات محسوما ولا تستطيع القدرة الايرانية منعه مطلقا, فالمعركة خاسرة سلفا وتكاليفها عالية ولكنهم يحاربون ويؤجلون المصير بانتظار بلورة اوراق حل تفاوضية قد تتيح لهم انقاذ ما يمكن انقاذه والخروج باقل قدر من الخسائر العسكرية والسياسية والامنية, مصير سورية بات محسوما واسرى الحرس الثوري في حوران هم بداية النهاية لهزيمة ايرانية وشيكة كبرى في الشرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً