اراء و أفكـار

من يوقف مجازر نظام دمشق؟

داود البصري
لاشك أن العالم يعيش اليوم في تناقض حقيقي ومفزع, فحين تشمر دول العالم عن سواعدها وتتحد لمحاربة الإرهاب الدولي وتنسق جهودها لتتبع عناصره, وتجتهد في عقابهم وملاحقتهم لآخر الدنيا, وتعقد المؤتمرات وتوقع الاتفاقات وتنظم البروتوكولات من أجل تحجيم الإرهاب وتدمير أوكاره, ويبقى على الجانب الآخر, أكبر الإرهابيين الدوليين وأشدهم خبثا ومراسا وتجربة دموية رهيبة وهو نظام دمشق يظل عصيا على المحاسبة والمتابعة, واللجم, وهو يمارس يوميا, ومنذ سنوات أربع عجاف جرائم مروعة ضد الجنس البشري, لم تمارسها أشد وأحط الأنظمة إرهابا وإجراما.
يتابع العالم إرهابيا فردا لآخر الدنيا, بينما يترك نظاما سياسيا كاملا يمارس إرهاب الدولة ويقطع بأوصال شعبه ويجتهد أيما اجتهاد في ممارسة أقسى أنواع وأشكال التقتيل والترهيب والإجرام! ومع ذلك لا أحد يتحرك, أو يحاسب, أو حتى يحاول تقييد يد النظام بلطف ومنعها عن الفتك بالشعب السوري الذي يتعرض يوميا لحرب إبادة شيطانية ممنهجة لا نظير لها في عالمنا المعاصر الذي شهد للأسف تدخل العالم لإسقاط أنظمة قمعية وإرهابية مارست جرائم أقل بكثير من الجرائم التي يقترفها, ودأب عليها النظام السوري.
لقد تم إسقاط نظام الخمير الحمر الشيوعي المتطرف مثلا في كمبوديا عام 1978 بعد تدخل القوات الفيتنامية لردع أهل حقول الموت الشهيرة من الاستمرار في حفر المقابر الجماعية للكمبوديين, وتدخل العالم أيضا لردع أنظمة عديدة لعل آخرها ما حصل في العراق وتقدم الولايات المتحدة وحلفائها في إسقاط نظام صدام حسين عبر احتلال وتدمير العراق بعد حصار دولي طويل وقاس عام 2003, إلا أن النظام السوري حكاية مختلفة بالكامل, فهو ومنذ انفجار الثورة الشعبية في مارس عام 2011 لم يقصر أبدا في إظهار وحشيته الدموية وفي ترجمة ملفات النصب والاحتيال لحكاية “الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة والتوازن الستراتيجي, على شكل حرب إفناء دموية مروعة ليس ضد أعدائه الإسرائيليين المفترضين الذين لم يوجه ضدهم رشاشات الماء منذ عام 1973, بل ضد الشعب الأعزل الذي ظل شهورا كاملة يرفع الشعارات السلمية الصرفة, ويمارس ضبطا للنفس غير معهود, وبصبر عجيب رغم وحشية آلة القتل السورية التي بلغت اليوم الذروة عبر محاولة النظام التدمير الكامل لريف دمشق وغوطتيها التي كانت إرثا نضاليا شامخا في مقاومة وهزيمة الاحتلال الفرنسي القديم, فجاء اليوم نظام آل الأسد لينتقم من الشعب وتاريخه النضالي الشامخ مستعينا بحلفائه الإقليميين المعروفين وعصاباته الطائفية التي لم تقصر أبدا في دعم الإرهاب, ونشر الرعب والترويع في المدن السورية, وخصوصا عصابات حزب الشيطان الإرهابي حسن نصر “خدا” الذي انضم للنظام الإرهابي في جبهة ميدانية واحدة لقتل السوريين.
النظام السوري بعد أن فشل على مدار ربعة أعوام في إجهاض الثورة الشعبية, رغم نجاحه في تشويه بعض صفحاتها من خلال الجماعات الإرهابية التي إندست في وسطها, وهي صناعة استخبارية سورية معروفة, يعيش اليوم إرهاصات الفشل النهائي المؤذن بإنسحابه الذليل من مسرح التاريخ ملوما محسورا مشيعا بلعنات الشعوب والتاريخ, لم يعد يمتلك سوى حله الأخير والنهائي, وهو تهديم المعبد على رؤوس الجميع بما فيهم هو ذاته, والمؤلم إن العالم الحر والقوى الكبرى تراقب وتحصي جثث السوريين, وتتابع طيرانه المهان وهو يهدم سورية حجرا على حجر من دون أن تتدخل أوتمارس واجباتها الكونية المفترضة في منع إرهاب الدولة الغاشمة لمواطنيها في مشهد سوريالي متواطئ غريب يبدو واضحا إن الهدف منه استكمال تدمير سورية بالكامل وبشهادة دولية معتمدة تؤشر على مدى وحشية عالمنا المعاصر وغياب العدالة للأسف.
المشكلة في النظام السياسي العربي أنه لا يمتلك آلية ردع لإيقاف آلة القتل السورية عن العمل, والجامعة العربية بمبادراتها السياسية الرثة أفلست بالكامل ولم يعد لديها ماتقدمه وتحولت لشاهد “ماشافش حاجة أبدا”! أما المنتظم الدولي فيبدو ايضا أنه قد أدمن مشاهد الدماء والجثث المحروقة والمقطعة الأوصال, وبات يهتم بإفرازات إرهاب النظام السوري, ويتناسى بالكامل معالجة أصل المرض وجذوره.
لابد من تنشيط حملة دولية إنسانية وحقيقية لإيقاف آلة القتل السورية وإجبار النظام المجرم على التنحي بكل الوسائل, وبعكسه سيشهد العالم إرهابا مريعا, فنظام دمشق لن يرحل قبل تحويل سورية أرضا محروقة من دون شعب, فهل ترضى الإنسانية بذلك? لاحول ولاقوة إلا بالله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً