اراء و أفكـار

نقص القادرين

علي شايع

كم كان حزن المتنبي كبيراً، وهو يردّد: “ولم أرَ في عيوب الناس عيباً/ كنقص القادرين على التمامِ”. وله الحق بالفعل، فمن لا يقدرون على التمام لهم العذر وهم غير ملومين، لكن القادر على الإنصاف ووضع الحق موضعه البهي، سيكون في محل الملامة حين لا يعدل، وكيف بهذا مثلاً، ونحن نتحدث عن أول وأكبر منظمة في العالم تدعي الدفاع عن الحقوق!، وهي (منظمة هيومن رايتس) التي كتبت في تقريرها السنوي الأخير عن أوضاع حقوق الإنسان في العراق، وللأسف لم تكن عادلة بمتابعة بعض القضايا، ولم تكن منصفة بما جاء في فقرات تقرير يحتاج إلى مراجعة دقيقة، فها هي تتخطى بمرور العابر، أشياء مهمة، مكتفية ببعض كلمات، لتوثيق مجزرة مروعة ارتكبتها عصابات “داعش” الإجرامية في مدينة تكريت، وقتلت فيها ما يقارب (1700) إنسان قرب قاعدة سبايكر العسكرية (بحسب إحصاءات رسمية موثقة). المنظمة الدولية – وهي تصف بعض ما اعتبرته انتهاكات مستحقة لاستيفاء حيثياتها الدقيقة – أفردت فقرات مطولة لتفاصيل تتعلق بحوادث سقط فيها ضحايا.. والمحزن ان أعداد هؤلاء الضحايا لا يساوون نسبة واحد بالمئة من أبرياء (سبايكر).
بالتأكيد أن (هيومن رايتس) لا تريد الإساءة لاسمها عبر ما تنشره من تقارير، ولكن عليها أن تتقبل النقد، فقتل مجاميع مسلحة كانت ترفع شعارات تنظيم القاعدة، وتتغنى عبر مكبرات الصوت بأناشيدها الإرهابية، سجلته كجرائم ضد الإنسانية وحجزت له صفحات، بينما اكتفت بسطر واحد فقط ذكرت فيه، أسر شباب فرّوا من معسكرات التدريب وقتلهم تنظيم “داعش” الإرهابي بدم بارد، وكأن إشارتها إلى معنى (الأسر) يستبطن دلالة على مواجهة عسكرية بين طرفين مدججين بالسلاح، وليست معركة جبانة بين مسلحين بأحدث المعدات، وشباب عزّل لم يكن في حيازتهم شيء للدفاع عن أنفسهم.
منظمة (هيومن رايتس) كمنظمة معنية بحقوق الإنسان كان عليها أن تكون أكثر إنصافاً، في النظر إلى الخرق الإنساني، لأن ما حصل يعدّ في حسابات المواثيق الدولية، إبادة جماعية، وكان من مفروضها المهني فتح صفحة خاصة ضمن تقريرها، للإشارة إلى هذا الانتهاك، لا تجاهله كـ”قضية فيها نظر”. وكان عليها أن تشير للمقتولين صبراً.
ولعل المنظمة الدولية ستعيد النظر في الموضوع، لأن في استجابتها لتصحيح ما أحدثته من خطأ، وإعادة البحث في المسألة سيعتبر تحقيقا نسبيا لعدالة لا يزال أهالي الضحايا ينتظرونها من جميع المنصفين، وسيحزنهم أن لا يجدوا حق ضحاياهم مدونا بما يستحق، ضمن ما نشر على نطاق عالمي لتقرير أممي.
وبالتأكيد ثمة من لا ينتبه إلى ما نعنيه، وسيبقى يحدق في طرف الإصبع ونحن نومئ جهة القمر!، وثمة أيضا من يتصيدون في الماء العكر، وسيقولون إن تلك الكلمات فيض مشاعر لا تتعامل معه الجهات الدولية ولا تراعيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً