اراء و أفكـار

دمشق بعد القصف.. المنعطف الحاسم

داود البصري

مع تساقط صواريخ الكاتيوشا بالعشرات على الأحياء السكنية والمنشآت الإستراتيجية للنظام السوري في العاصمة دمشق مؤخرا، تساقطت أشياء كثيرة لعل أهمها قدرة النظام الدفاعية والتي كانت تعبر عن نفسها من خلال إمطار المدن السورية المنتفضة ببراميل الموت وقذائف الغاز وحتى الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا كما فعل النظام في الغوطتين الشرقية والغربية في صيف عام 2013، دون أن ننسى أو نتجاهل البراميل القذرة المتفجرة التي وزعت مساحات الموت والخراب على أكبر حيز ممكن من الوطن السوري المنكوب!، عقلية النظام الاستئصالية والمحتقرة للإنسانية والمفتقدة لأخلاق الفرسان ذهبت بعيدا في تبرير الأعمال الهمجية المقرفة وحملات الإبادة الجماعية الكريهة التي عمقت من جراح السوريين بعد أربعة أعوام دموية قاسية من الثورة قدم خلالها الشعب السوري قوافل طويلة من الشهداء وخسر النظام نفسه خلالها العديد من قياداته بين صريع وهارب ومنشق ومعزول حتى فقد النظام ظله! وبات اليوم عاريا حتى من ورقة التوت وهو يناور بدرجات أقل بعد أن استنفد كل احتياطياته من الأكاذيب الإعلامية التي تصور المعارضين بكونهم إرهابيين!! وإنه ضحية للإرهاب..إلخ.
رغم أنه من كبار صانعيه والعاملين في ملفاته والمفبركين لسيناريوهاته، دخول دمشق في قلب المعركة التغييرية يعني أشياء كثيرة وخطيرة في الوقت نفسه، أبرزها أن النظام بات يدرك أن معاقله الحصينة لم تعد كذلك، وأن تآكل واندثار قوته العسكرية رغم مساعدات حلفائه الروس والإيرانيين والميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية قد أضحت من الحقائق الميدانية التي تدل على أن الانهيار السريع والمفاجئ قد يحصل في أي لحظة وبطريقة مباغتة قد تكون مفاجأة للعالم، لقد أدار النظام المعركة وصفحاتها المتغيرة طيلة أربعة أعوام وهو يلعب على عامل الزمن ويمني النفس ويراهن على نهاية المعارضة عبر إصابتها باليأس والإحباط ومن خلال استعمال أقصى درجات القوة المفرطة المترافقة مع خطاب إعلامي غوغائي وتضليلي حافل بالأكاذيب، ولكنه اليوم أمام واقع ميداني جعل حصونه المنيعة تتهاوى بعد أن سقطت دمشق عسكريا واستنفد الحلفاء آخر طلقاتهم وتحول الحوار السياسي أشبه تماما بحوار الطرشان، ما نعنيه بالسقوط العسكري هو كون أي مدينة تكون غير بعيدة عن الرشقات المدفعية أو الصاروخية المباشرة تعتبر ساقطة عسكريا لكونها ستتحول لمدينة أشباح في حال اندلاع المواجهة المباشرة والتي بات واضحا أن عدها التنازلي قد بدأ، وأن الاستنزاف تحول ليكون هو ما يعاني منه النظام بعد أن تقلصت كثيرا مساحات سيطرته الأرضية واستنفد الحلفاء جل طاقاتهم، فالحرس الثوري الإيراني مثلا لا يمكنه أبداً توسيع إطار مشاركته في الحرب بسبب توسع النشاط العسكري الإيراني في العراق وبما يشكل حالة استنزاف لا يتحملها الاقتصاد الإيراني المتداعي، والميليشيات الطائفية اللبنانية أو العراقية تعاني من مشاكل لوجستية جمة تمنعها من تقديم أكثر مما قدمته من ضحايا وخسائر، خصوصا أن الميليشيات العراقية تخوض اليوم معارك ساخنة في المناطق السنية الثائرة أفقدتها الكثير من عناصرها في العمق العراقي وجعلتها تترنح بشدة من حجم ودرجة الخسائر، مما عمق من درجات وأشكال الانتقام الطائفي المؤسف هناك!.
يتبين من قراءة المعطيات وتحليل الوقائع أن النظام يخوض اليوم وخلال المرحلة القادمة معركته وحيدا في ظل انقلاب موازين القوى وانحسار التأثير العسكري الذي ترجمه النظام من خلال الانتقام من المدن السورية عبر سياسة التدمير الشامل الانتقامي المعهودة، وهي سياسة ارتدت على أصحابها بعد أن أصبحت المقرات الحكومية والرئاسية تحت نيران القصف المباشر لقوى المعارضة المسلحة، معركة دمشق القادمة ستكون رهيبة بكل تداعياتها لكونها معركة حياة أو موت للنظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً