اراء و أفكـار

سبعون عراقياً لم يقتلوا الحسين!

القدس العربي

تمثّل مجزرة قتل 70 مدنياً بعد فرارهم من بلدة بروانة السنّية في محافظة ديالى على أيدي قوات الأمن ومقاتلي الحشد الشعبي الشيعي فصلاً جديداً من فصول انحطاط العراق نحو حالة بائسة من الفوضى الدموية التي لا تخضع لبوصلة سياسية من أي نوع، والتي تمليها غرائز التوحش الطائفية دون أي حسابات للهوّة السوداء التي تهوي إليها البلاد.
فهؤلاء المدنيون الذين نجوا من الذبح على أيدي تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو فرّوا من طغيانه، وجدوا أنفسهم معرّضين للقتل الجماعيّ على أيدي «منقذيهم»، الذين لا يقلّون تعطّشاً للدم والانتقام من التنظيم الذين يقاتلونه، وبذلك يجد السنّة الذين وضعهم سوء طالعهم في مناطق اصطراع طائفيّ، بين ميليشيات إجراميّة، واحدة تدّعي الدفاع عن الإسلام السنّي، فتفترض من القبائل السنّية ولاء مطلقاً لها، وأخرى تدّعي الدفاع عن الإسلام الشيعي، فتعتبر القبائل السنّية عدوّا أيديولوجياً لها، مغتنمة فرصة استيلائها على قرية أو بلدة لتحقيق ثأرها التاريخي الموعود من «قتلة الحسين»، وهي دعوى جاهلة وسفيهة تُلصق بالسنّة الذين يجلّون عليّاً والحسين وآل البيت صدقاً وليس باطناً أو تقيّة!
يتحمّل القادة الدينيون والسياسيون العراقيون مسؤولية كبرى في ترتيب وتنظيم هذه المجزرة الكبرى التي تسود العراق، وهي ليست مسؤولية متساوية، فاليد العليا في العراق حالياً هي لإيران، وللميليشيات المتحالفة معها، ومقابل الطغيان الإيراني في استنزاف الدم العراقيّ وتحويل الصراع فيه إلى صراع طائفيّ محض، نجد تكالباً من القادة السياسيين الشيعة للتزلّف لإيران على حساب بلدهم الأم، وتفانياً في تطويع البنية السياسية العراقية لخدمة المشروع الإيراني الكبير في المنطقة.
وهذه السياسة الكارثية لإيران ووكلائها، التي تحالفت ثم ورثت الاحتلال الأمريكي للعراق، و»إنجازاته» الكبرى في كسر العمود الفقري للعراق، من خلال حلّ الجيش العراقي وجهاز الدولة، وخلخلة التوازن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، كانت في صلب نشوء وازدهار تنظيمي «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» اللذين كانا الردّ الانتحاريّ والإجراميّ المشوّه على إجرام أمريكي وإيراني ممنهج ومنظم دفع سنّة العراق الثمن الأكبر فيه، واستثمرت هذه التنظيمات المتطرّفة فيه.
حاول السنّة العراقيون بعد انطلاق الثورات العربية تغيير التوازنات السياسية الفاحشة القائمة في العراق من خلال الاعتصامات والمظاهرات السلميّة فقوبلوا بالتهديد وباستخدام أجهزة الدولة الأمنية والقانونية لكسر مطالبهم المحقّة، ومطاردة قادتهم السياسيين بالاعتقال وأحكام الإعدامات الكاريكاتورية، وهو ما أدّى عملياً إلى انغلاق الباب أمام النضال السلمي والمدنيّ وارتفاع سطوة التطرّف على طريقة «الدولة الإسلامية».
نضال العراقيين نحو دولة تمثّلهم جميعاً وتوقف الإجرام اللانهائي بدعاوى الدين والمذهب والطائفة يصطدم أساساً بالاحتلال الضمني لبلدهم من قبل إيران، وبرعايتها، وما يسمّى «المجتمع الدولي»، للخطاب التقسيمي الذي يفرز العراقيين إلى ثلاث كتل: الشيعة والسنّة والأكراد، وهو الفز الذي أسس مصالح كبرى لسادته الحاكمين/التابعين.
نضال العراقيين السنّة لوقف الطغيان الخارجي والمحلّي اصطدم بعوائق إقليمية كبرى، وبمصالح التابعين الصغار في المنطقة الخضراء (وإلى حدّ كبير أيضا: حكام «كردستان» العراقية).
مصير العراق، بالتالي، صار مرتبطاً بالتغيّرات الكبرى التي تشهدها المنطقة، والتي تعتبر الثورات العربية، وردود فعل أنظمة الاستبداد عليها، مرحلة أولى ستتبعها، بالتأكيد، مراحل أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً