اراء و أفكـار

فضيحة اسمها: النازحون

رباح ال جعفر

النازحون قصة عذاب. لا يختصرها ألف كاتب، ولا يكفيها ألف كتاب. رحلة مأساة من خوف وجوع ودموع. مشاهد قاسية تخلع القلب. ويلات واستغاثات. مخيمات وخيبات. ظلمهم الأهل قبل الأغراب، وظلمتهم الشعارات الكذابة، وقذف بهم الحظ العاثر في العراء. يكابدون الشتاء والثلج والصقيع. يهاجمهم الموت كطائر أسود، ويتاجر بمحنتهم باعة شرف لا يخافون الله، ولا يستحون من بشر.
تسأل رئيس لجنة النازحين عن إمكانية إنقاذهم من “وقائع موت معلن”، فتسمع منه كلاماً يطيّب الخاطر ولا يسعف الحال. إنه لا يملك أكثر من القول: آسف. موضوع النازحين أكبر من إمكانيات هذه اللجنة، وأكبر من إمكانيات الحكومة مجتمعة. طيّب ما دام الأمر أكبر منك، فلماذا لا تعلن احتجاجك ورفضك، وتستقيل حرصاً على رقة مشاعرك؟!
تسأل الحكومة ذاتها، فتبني لك آمالاً من البروج المشيّدة بالكلام. والنتيجة لا أحد يسمع صدر طفل مثقوب بالسعال. لا جهة تستشعر المعاناة. لا مسؤول يحاكم ضميره، فالقضاة واللصوص مساهمون في شركة نصب واحتيال واحدة. كلهم مجرمون، أو مشاركون في الجريمة.
الحكومة، والبرلمان، والأمم المتحدة، والمؤسسات الإغاثية، غسلوا أيديهم جميعاً من الفضيحة المدوية، واكتفوا بإطلاق المناشدات، وبتوزيع البطانيات، ومفردات غذائية غير صالحة للاستهلاك البشري.
النازحون أكبر فضيحة في عصرنا. لكل واحد منهم قصة مأساة. إنها فضيحة الفضائح. بلغ من مداها أن شعباً خلع من دياره بغير حق، وطرد منها من دون ذنب، واستولى على أملاكه المنقولة وغير المنقولة، قتلة وسرّاق أكفان. ثلاثة ملايين من المشردين، مارسوا عليهم جميع أشكال القهر. يرتجفون كريشة في مهب الريح، ويبحثون عن ستارة تسترهم بعدما فقدوا الإحساس بالأمان، وينامون في جفن الردى وهو يقظان.
أكثر من هذا. لا يعرف هؤلاء النازحون، متى يحزمون حقائبهم ويعودون إلى ديارهم؟ وكيف سيكون شكل العودة؟ وهل سيجدون بيوتهم بعدما تركوها لقطيع من الذئاب والكلاب؟!
إنه لمن المحزن أن يصبح النزوح تهمة يعاقب عليها القانون في بلاد تفتقر إلى القانون. كثير من النازحين يتوارون عن الأنظار لتحاشي الأسئلة المستفزة، والخوف من الملاحقات الأمنية، والبحث عن الكفيل الضامن.
أخشى أن يكبر في هذه المخيمات جيل من العراقيين، وتصبح عودتهم إلى بيوتهم حلماً عزيز المنال. لا يقلّ عن أحلام عودة اللاجئين إلى وطنهم: فلسطين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً