اراء و أفكـار

إيران تقرع طبول الحرب في الخليج العربي

داود البصري

لم تعان منطقة في عالمنا المعاصر من نتائج الحروب العبثية والتدميرية أكثر من منطقة الخليج العربي, التي كانت مسرحا مأساويا وساحة ميدانية لحروب دموية قاسية ابرزها الحرب العراقية ¯ الايرانية ( 1980/1988 ) التي أكلت أرواح مئات الآلاف من شباب البلدين وأستنزفت اقتصادياتهما وفتحت الطريق أيضا لحروب اقليمية جديدة وشرسة تكرست مع الغزو العراقي لدولة الكويت في 2/8/1990 وهو الغزو الأحمق الذي فتح بوابات جهنم على العراق والعالم العربي وكان المسمار الأول في نعش تمزيق العراق وتدميره وانهائه كدولة ومجتمع, لقد تعلل النظام العراقي السابق بملف الخلافات النفطية حول الانتاج والأسعار كسبب من أسباب الغزو ظاهريا. فوفقا لارشيف الذاكرة فان مؤتمر قمة بغداد المنعقد يوم 28 مايو 1990 قد شهد تصريحا ساخنا وتهديديا لصدام حسين حول موضوع قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق, ثم أتبع ذلك بصدور بيان من وزارة خارجية العراق وقتذاك ينتقد فيه مواقف الكويت ودولة الامارات, حتى تطورت الأمور لحالة الاحتلال العسكري التي رسمت خطوطا دموية جديدة على رمال جزيرة العرب, وغيرت الكثير من التحالفات ومن قواعد اللعبة الاقليمية أيضا. اليوم يتكرر المشهد التهديدي المزعج ومن زاوية نفطية أيضا ومن أطراف خليجية في ظل حالة فظيعة من التداخل المعقد لملفات ادارة الصراع الاقليمي, المتوترة أصلا, فمن ميناء بوشهر الايراني تخلى الرئيس الايراني حسن روحاني عن اعتداله الشائع, وأطلق صرخة الألم الايرانية الموجعة من نتائج انهيار أسعار البترول في السوق الدولية والضرر الكبير الذي لحق بالاقتصاد الايراني المنهك نتيجة لذلك,
لم يتردد الرئيس الايراني في تحذير دولتي السعودية والكويت من نتائج انهيار الاسعار, وهو تحذير قيل بأسلوب تهديدي لا تخطئ العين الخبيرة ولا الفكر السليم قراءة دلالاته ومغازيه.
الواقع ان ذلك التهديد اللفظي يحمل من عناصر الغرابة الشيء الكثير فلا السعودية ولا الكويت ولا أي طرف منتج للبترول من مصلحته هذا الانهيار السعري كما أن قضية بورصة أسعار بيع البترول لا تتحكم فيهما لا السعودية ولا الكويت.
المشكلة الأساسية تكمن في منهجية النظام الايراني ذاته, من خلال تماديه في التسلح المفرط والتباهي بالمناورات العسكرية الكبرى كدليل على اوهام القوة المريضة, اضافة للنفقات التي تتحملها الخزينة الايرانية جراء توسع الدور الايراني في قضايا وملفات المنطقة, فالمجال الحيوي الايراني ممتد من كابل شرقا وحتى بيروت غربا وصولا لجنوب الجزيرة العربية في جبال اليمن دون تناسي حقيقة الجهد العسكري الايراني القوي جدا والمتزايد في العراق والشام والخسائر الكبرى التي منيت بها ايران من أسلحة ومن قيادات للحرس الثوري وهو تورط متزايد يبدو واضحا بأن الايرانيين عازمون على توسيعه بدلا من تقليصه! فمن السهل الدخول في معركة أو حرب ولكن من الصعب جدا الخروج منها دون تأمين المواقع الخلفية أو تحقيق النتيجة التي كانت متوخاة من ذلك التدخل الذي اتخذ موقفا تصاعديا تمثل في الزيادة المفرطة في حجم وطبيعة الخسائر البشرية التي تقدمها قوات النخبة الايرانية (الحرس الثوري) ليس في بطاح العراق فقط بل في عمق الأراضي السورية وفي مقاومة الثورة الشعبية السورية المتفاقمة منذ أربعة أعوام, وأنصار النظام الايراني في العراق باتوا يعترفون علانية بأنه لولا الدعم العسكري الايراني المباشر لهم ما كان لحكومتهم في بغداد أن تستمر وهو تصريح غريب لكنه يحمل أيضا توضيحا وافيا لحالة الانتشار العسكري الايراني في الشرق مع ما يستدعيه ذلك التوسع من استنزاف مادي مرهق سترتد مؤثراته على النظام الايراني من خلال حركة الشارع الايراني والخشية من انتفاضة أو ربيع ايراني جديد يكرر سيناريوهات ربيع 2009 وبين الملفات الايرانية الكبرى العائمة والحروب المتنقلة التي تخوضها قوات الحرس والتعبئة والجيش وحالة الانهيار الاقتصادي المريع ترتسم في المنطقة علامات توتر واضحة تقرع خلالها طبول الحرب النفسية وتنطلق التحذيرات والمخاوف وترسم الخطوط الحمراء فيما تسمع من بعيد أصوات خافتة تعلوأحيانا لطبول حرب اقليمية مروعة نأمل ألا تتطور الى مالا يحمد عقباه, فالمنطقة لم تعد تحتمل مصائب مضافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً