اراء و أفكـار

الصحافة العراقية وسوق السلاح

داود البصري
في بلد عربي منهك تحول لغابة من السلاح بسبب سلسلة الحروب العنيفة والدموية والطويلة التي عاشها خلال الثلاثة العقود الثلاثة الأخيرة , وفي مجتمع بات يعتبر القوة والعنف بمثابة شريعة حياتية يومية , تعيش الصحافة في العراق أحلك لحظاتها المتشحة بالسواد, ويعاني أهل اليراع والرأي أشد معاناة وهم مستهدفون في حياتهم من قبل أطراف عدة بعضها غامض يتحرك في الظلام ويمارس أسلوب القتل وفق أجندات مافيوية إرهابية, وبعضها يتحرك ويتصرف ويقتل ضمن إطار السلطة الحاكمة نفسها وبرصاص وأسلحة منتسبيها.
الصحافة في العراق هي من أخطر المهن وأشدها تضحية بالروح البشرية وقد قرعت نقابة الصحافيين العراقيين وتحت إدارة نقيبها الأخ الأستاذ مؤيد اللامي ناقوس الخطر ونبهت لخطر إستنزاف الجسم الصحافي العراقي الذي فقد في حصيلة العام الماضي فقط 14 صحافيا مسجلا فيما فقد خلال الأعوام التي تلت العام 2003 نحو 406 من الصحافيين في بلد يعتبر اليوم الأخطر في العالم على حياة الصحافيين , وفي العام الماضي فقط أيضا تعرض 22 صحافيا عراقيا لحوادث إعتداء ومحاولات قتل وتعديات أخرى مما دفع بالنقيب والصحافيين العراقيين لطلب حماية الدولة ومؤسساتها الأمنية وإيقاف كل هذا الحجم من النزيف القاتل وفك ألغاز بعض قضايا الموت الغامضة للصحافيين من أمثال الفنان الرسام الساخر المرحوم أحمد الربيعي الذي رسم ذلك الرسم الكاريكاتيري الشهير للولي الايراني الفقيه في الصباح الجديد مما أدى لاطلاق تهديدات صريحة له بالقتل من جانب عناصر الأحزاب الطائفية رغم إعتذاره ورئيس التحرير الأستاذ إسماعيل زاير للسفير الايراني في بغداد وحيث مات بعد ذلك بظروف غامضة ونتيجة ما قيل إنه انتحار بسبب الكآبة!, والموضوع مثير للريبة فالقضية كما تبدو قضية نحر وليس انتحارا, فأهل المشروع الايراني لا يمزحون أبدا وقد أرسلوا رسالتهم الدموية التي وصلت وفهمها الجميع! , وحيث أصدرت وزارة الداخلية العراقية ووفقا لتاكيدات النقيب مؤيد اللامي تعليماتها بضرورة توفير السلاح الشخصي لحماية الصحافيين رغم أن هذا الاجراء غير كاف ويطرح إشكالية عدم قدرة المؤسسة الأمنية للدولة على حماية الصحافيين بالشكل اللائق بل تفرض وجود حماية ذاتية وهو أمر لن يمنع أويحد من عمليات الاغتيال الغادرة! ويحول البلد لغابة جديدة من السلاح المنتشر. وجميعنا يتذكر مأساة مصرع الاعلامي الدكتور محمد بديوي الشمري في مارس الماضي على يد أحد ضباط حماية قصر الرئيس السابق جلال طالباني من الأكراد وحيث قتل الشمري بدم بارد قبل أن يتم إعتقال ضابط الحماية الكردي والذي لايعرف مصيره اليوم? فهل أطلق سراحه وتمت تسوية وضعيته بشكل توافقي, أم أنه سيواجه عقوبته الحقيقية لا أحد يعلم فالفوضى سيدة الموقف, ونقيب الصحفيين يقف موقفا صارما من عمليات القتل والاغتيال والتي كان أبرز ضحاياها النقيب السابق للصحافة العراقية أحمد شهاب, كما أن النقيب الحالي مؤيد اللامي تعرض أيضا لمحاولات إغتيال كثيرة ومستمرة , وكل الصحافيين العراقيين بمختلف توجهاتهم ومشاربهم هم ضحايا محتملون لاغتيالات بسبب الخلاف في الرأي أوتنفيذا لأجندات إقليمية وتصفية حسابات معينة? لا أحد من أهل الرأي والقلم في العراق يضمن عمره أوسلامة عمله الاعلامي والصحافي من دون التعرض لضريبة الاعتداء على الحياة, لقد فقد الجسم الاعلامي العراقي كفاءات صحافية واعلامية كبيرة بسبب العنف المستشري في الشارع العراقي , ورغم حرية العمل الاعلامي العراقي وإجتهاد نقابة الصحافيين لحماية منتسبيها إلا أن سيف الغدر والاغتيال يظل منتصبا على الدوام مذكرا بتقصير الدولة الكبير التي تبالغ في حماية شخصياتها القيادية بأفواج وفرق الحماية بينما تبخل على الصحافيين بحماية عادية سيما وإن الجماعات الارهابية والمسلحة قد دخلت على الخط مثل جماعة “داعش” التي باتت تنفذ عمليات إعدام جماعية ضد الصحافيين , الدولة العراقية مطالبة وفقا لنص المادة 138 من الدستور العراقي بتوفير الأجواء الايجابية والآمنة للجهاز الاعلامي وحماية حرية التعيير وهوالأمر السهل من الناحية النظرية ولكنه عمليا أمر صعب للغاية في بلد يعيش إنتكاسة أمنية حقيقية , وبين قمع الرأي وقمع الصوت ومصادرة الحق في الحياة تعيش الصحافة العراقية تحت ظلال سيوف الارهاب الحزبي والطائفي أوالرسمي وهوأمر يثير في النفس كل معاني الأسى , فهل بالسماح للصحافيين العراقيين بحمل السلاح دفاعا عن النفس الحل الناجع في بلد أصبح اللجوء فيه للسلاح أسهل من إلتهام الحلوى? تلك هي المعضلة.
* كاتب عراقي
[email protected]

المصدر: صحيفة السياسة الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً