اراء و أفكـار

الحرية كلمة: ثم اختفى الشهود

رباح ال جعفر

يَتقاعد السياسي الأجنبي فينصرف إلى كتابة مذكراته. بينما يغادرنا السياسي العراقي فلا يترك وراء ظهره ورقة واحدة للتاريخ. كل الملوك والرؤساء والجنرالات والساسة في العالم يكتبون مذكراتهم إلا العراقيين، فإنهم يخافون كشف حسابهم أمام التاريخ.
ولقد قرأنا عن موظفي سكرتارية في العالم كتبوا مذكرات زعمائهم، وكشفوا جوانب من حياتهم، المضيئة منها والمظلمة. هكذا فعل سكرتير الرئيس الأميركي روزفلت، وسكرتير رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وسكرتير الرئيس الفرنسي جيسكار دايستان، أما في بلدنا التاريخي، فيندر أن تجد سياسياً يكتب مذكراته، فهي أعزّ منالاً من النجوم!
غادر الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية ومضى بعدها أربعين سنة يجوب بين منفاه ووطنه، ومات ولم يكشف لنا سرّاً من الأسرار. وكنا ننتظر من السياسي المخضرم ناجي طالب رحمه الله أن يفتح الدفاتر للجيل الآتي، ويقول شيئاً من أحداث عاشها وكان في قلبها. وكان الأمل أن نطلع على مذكرات الرئيس السابق جلال طالباني، بعد أن وعدنا بنشرها أكثر من مرة، ولم يخرج حرف واحد من مذكراته إلى النور.
الفارق بين السياسي الأجنبي والسياسي العراقي، أن الأجنبي يفتح الأبواب الموصدة ويدخل المناطق الممنوعة. يعترف بخطيئته وخطاياه، حسناته وسيئاته. بينما يتوارى السياسي العراقي خلف رقيب مقيم في خياله. ينسى الحكمة القائلة (الدهر يومان. يوم لك ويوم عليك) فيأخذ اليوم الأول ويهمل الثاني. فإذا كتب، فإنه يكتب بطريقة انتقائية بإضافة المحسّنات اللفظية والمعنوية على الرواية ظنّاً أنه معصوم من الخطأ ما دام حاكماً. إنه لا يغادر قصره إلا إذا سافر إلى قبره.
حين قرأت كتابه عن عبد الكريم قاسم. استوقفني جواب منصف لخصمه السياسي الكاتب أحمد فوزي عبد الجبار، قال: مهما اختلفت مع قاسم سياسياً وفكرياً. فقد عاش حياة الفقراء، ومات وهو لا يملك من دنياه غير دراهم معدودات.
سؤال يلحّ في خاطري الآن: لو أن الطاقم السياسي في العراق (الجديد) أتيح لهم أن يدوّنوا ذكرياتهم ومذكراتهم، فكم يحتاجون من أطنان الصفحات السود ليكتبوا عن الفساد، والقتل، والخيانة، وبيع الشرف؟!..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً