اراء و أفكـار

الدعاء في اليوم الأخير

احمد الجنديل*

نحنُ أمام خياريْن لا ثالث لهما، امّا أن نعيش وفق مبدأ العقاب والثواب الذي يرسمه الدستور، ليضمن لنا الحياة الهادئة المستقرة، وامّا أن يغيب القانون، ويبقى المسؤول يسرح ويمرح على هواه دون أن يقف بوجه أحد، فعندها تتحول الحياة إلى حاوية للنفايات، فلا أمن ولا أمان، ولا عدل ولا إنصاف، غير شريعة الغاب التي تفرض هيمنتها على الحياة.

كل شرائع السماء قامت على أساس الترغيب والترهيب، وكل قوانين الأرض اعتمدت على معاقبة المسيء، ومكافأة المثابر المخلص، وفي كل دول المعمورة ترصد الحكومات المناطق الهشّة في دستورها خوفاً من اختراقه، أو دفعه إلى تحقيق غايات تتقاطع مع جوهر القانون. وفي العراق، دستور صفقنا له بسذاجة مقرفة، وناقشنا فقراته بغباء مبرم، وعندما دخل حيّز التنفيذ، بدأ من كتبه وشرّعه يفصّله وفق مصالحه وأهوائه، ويدير بوصلته باتجاه لا يخدم الوطن ولا المواطن، وأصبح عراق حمورابي، يملك تشريعاً يخدم الأقوياء دون الضعفاء، وتحوّل بلد الانتصارات إلى سلسلة من الهزائم والانتكاسات والأزمات، وانقلب وطن العدل إلى حاضنات للظلم، وإهانة وإذلال الوطن والمواطن على حد سواء، ومع استمرار هذه الفوضى، فقد الدستور عذريته، وغادر شرعيته، وأصبح المواطن مهاناً ذليلاً في بلده الذي مزقته عواصف الفتن، ونالت منه حيتان الشر، وبدأت الحياة تفقد أمنها وأمانها في ظل ظروف بالغة التعقيد. المواطن العراقي يعاني من الخيبة والإحباط والانكسار أينما سار، وحيثما يممّ وجهه، ابتداء من البيت، إلى الشارع، إلى مقر عمله، والويل للمواطن المسكين إذا دعته الضرورة إلى الدخول لمديرية المرور، فسيجد المعقبين أكثر من عدد المراجعين، والكل يحاول سرقة قوت يومه، ويا لمأساة المواطن الفقير إذا توعده ضابط في الشرطة، أو موظف في دائرة حكومية، أو زمجر في وجهه أحد من حماية وزير، أو من حاشية سياسي، فالجميع تعلم في مدرسة العملية السياسية كل صنوف وفنون القهر للمواطن المهزوم، فالدستور في العراق، يمنح الحلال للسياسيين، والمقاولين، والسارقين رغيف الخبز، والناهبين ثروات البلاد، ويكون الحرام من حصة الفقراء، ومن حق السياسي وغيره من أصحاب النفوذ من السرقة العلنية، والثراء الفاحش، والتمتع بملذات الحياة، ويبقى التهميش، والتهجير، والإهمال من حصة المواطن العراقي. نحن أمام خياريْن لا ثالث لهم، إمّا أن نسلك طريق القانون، فننقذ العراق وأهل العراق، واما أن تأخذنا الأحداث إلى طريق الخراب والدمار. وأمّا المواطن الذي ارتضى النوم في كهوف التخدير والإهمال فليس له سوى خيار واحد، وهو في اليوم الأخير من هذه السنة، وعلى أبواب سنة جديدة، يتلخص في الدعاء إلى الله بأن يهدي من ظلموه، وينير قلوب وضمائر من خذلوه بحب العراق، ويبعد عنهم الكذب والزيف، أو أن يخسف بهم الأرض لأنهم لا يستحقون العيش عليها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً