اراء و أفكـار

وعن ” السيادة ” يحدثونك

علي حسين*

كان تشرشل قد حقّق النصر لبريطانيا وهزم هتلر في عقر داره، لكن الشعب رأى أن الرجل الذي قاد الحرب لا يمكنه أن يقودَ السلام، فقرر السياسي “البدين” أن يذهب بعيداً ليسطر مذكراته، وكان ديغول أهم شخصية في تاريخ فرنسا، فهو الذي حررها من الاحتلال النازي.

وهو الذي أنقذها من الفوضى السياسية, وهو من أنهى عصور الخزائن الخاوية، وحين خرجت التظاهرات تطالب برحيله، نفى نفسه الى قرية في الجنوب ليكتب مذكراته “الحلم بفرنسا مستقرة” وفي بلدان آسيا خرج الرجل الاسطوري لي كوان من الحكم، بعد ان حول سنغافورة من مستنقع تزدهر فيه الامراض والخوف الى نموذج صعب التقليد في الرخاء والتنمية والازدهار.

اليوم لانعرف من هو رئيس وزراء الصين، وما اسم رئيس كوريا الجنوبية، ولا نقرأ في الاخبار عن خطب المسؤولين في النرويج، ولا نعرف أن حجم اقتصاد دولة مثل الدنمارك يتجاوز اقتصاد دول الخليج مجتمعة.

من هو رئيس وزراء الدنمارك؟ انا متأكد ان الكثيرين لا يعرفون هل هو امرأة ام رجل، إنها يا سادة ” هيلي تورنينج شميت، ” المرأة التي تؤمن بان الاشتراكية ليست ايديولوجيا تقرأ في الكتب، ولا حرب باردة بين واشنطن وموسكو، انها عدالة اجتماعية ورقي انساني ونزاهة وطمأنينة، هل تعرفون كم عدد العراقيين الذين يعيشون في ظل اشتراكية السيدة شميت؟ تجاوزوا الثلاثين ألفا، لم تشملهم والحمد لله انجازات دولة القانون.

عندما يقرر البعض أن يبيح لنفسه نهب المال العام وقتل الناس على الهوية، عندما تزول حرمة الحياة والوطن فأية سيادة تتبقى؟ لذلك يتحوّل البكاء نوعاً من الضحك، لأن كل شيء يتحول إلى عبث وعجز.. وأتمنى ألّا يسخر مني البعض ويقول يا عزيزي صدّعت رؤوسنا بالحديث عن ديغول وتشرشل ولي كوان، بينما نحن نعيش عبثاً من نوع لم يخطر على بال ابرز دعاة اللامعقول، فعندما تقتطع الموصل وتكريت وتهدد الأنبار وتذبح ديالى، كيف سينظر الناس إلى قول فخامة نائب رئيس الجمهورية وهو يتحدث امس بان ابرز إنجازاته هي: “السيادةَ التي حققها، والتي تعني الإرادة والقرارَ المستقل”.

ولأنني اسعى دوما إلى تذكير “فخامته” بما مضى فإنني أعيد على مسامعه ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يوم 13 حزيران نقلاً عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، من أن رئيس الوزراء “انذاك” نوري المالكي طلب من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تدرس توجيه ضربات إلى نقاط تجمع المسلحين، وهو الأمر الذي اكدته المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض قائلة “ان حكومة العراق أوضحت أنها ترحب بأن نقدم دعماً”.

أثقلت صفحات السجال العبثي في العراق النقاش الذي يعلو كل يوم مجالس سياسيينا حول، “السيادة وشقيقاتها”.. والله العظيم يا جماعة “عيب”، عليكم ان تخجلوا، تتنافسون باسم السيادة على الضحك من مشاعر الضحايا والمهجرين، وكأن ضياع الموصل لا يمس السيادة وقضم أجزاء من الأنبار لا علاقة له بالأمن الوطني، ورفع رايات دولة الخلافة في تكريت مسألة فيها نظر وليست مأساة وجريمة مسؤول عنها قادة عسكريون لا يزال البعض منهم يرفض المساءلة والاستجواب برغم كل الخراب!

يستخدم ساستنا الاشاوس جميع أدوات اللغة للتأكيد على ان “السيادة” شعار لن ينقرض، وان الطائفية باقية وتتمدد، يذهب ديغول إلى منزله الريفي باسما لانه ترك بلادا مستقرة، وفي بلاد “فخامته” يصر نائب رئيس الجمهورية الى اتهام رئيس الوزراء بانتهاكه السيادة التي ظلت خلال ثماني سنوات عبارة عن خطوط حمر من الدم والأسى وغياب الانسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً