اراء و أفكـار

ملف طارق الهاشمي وطريق المصالحة العراقية؟

داود البصري*

بعيدا عن سير عمليات الكر والفر العسكرية الدائرة في العراق منذ الصيف الماضي التي أدت الى متغيرات ميدانية رهيبة على كل ملفاته الساخنة, فإن ملف النائب السابق لرئيس الجمهورية المستقيل طارق الهاشمي يشكل اليوم محورا ستراتيجيا ومنعطفا أساسيا في معالجة حالة التغيير السياسي المنشودة في العراق عبر تفكيك عناصر انفجار الأزمات الداخلية.

والمعالجة الموضوعية والمباشرة للخطايا والرزايا والجرائم التي تكشفت تباعا بسبب ممارسات إدارة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي تحول لنيابة رئاسة الجمهورية, وهو يجر خلفه أطنانا من الملفات والقضايا المثيرة للشبهات التي سيؤدي فتحها الى نتائج رهيبة ستطفو وتظهر تباعا على خارطة العراق السياسية و القضائية أيضا.
المالكي اليوم يقف محشورا في زاوية التاريخ فيما ملفات موبقات إدارته العجفاء تفتح بالتقسيط المريح, عبر أساليب إدارية بطيئة, لكنها ملموسة, لجأ اليها رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي يرزح هو الآخر تحت ثقل ومعاناة تركة سلطوية هائلة وثقيلة للغاية تجعل أشد الرجال مراسا يصاب بالكآبة المفرطة, وحتى الإحباط لهول الأحداث والملفات والفبركات وحجم الخراب الكبير الذي تخصصت حكومة المالكي في إشاعته, حتى أن قيادات كبيرة في حزب “الدعوة” الحاكم قد أعلنت تبرؤها من ممارسات مرحلة الحكم المالكية في محاولة للهروب من السفينة المالكية قبل أن تغرق بالكامل!
لقد لجأ السيد حيدر العبادي لمقاربات وممارسات إصلاحية لا نشك في جديتها ولا في أهدافها ونواياها الطيبة, لكن النوايا الطيبة وحدها ليست كافية لإصلاح وجبر الضرر الكبير الذي خدش وجه العملية السياسية برمتها في العراق, فالمالكي كان يدير السلطة بأسلوب “مافيوزي” محض, كان هدفه التخلص من القيادات الشعبية, وإبعاد أي صوت عراقي حر يمكن أن يعرقل مسيرته السلطوية المستبدة التي أراد إعطاءها صفة الديمومة بعبارته الشهيرة “ما ننطيها”, ولن يتمكن أحد من أخذ السلطة منه! وهي عقلية استحواذية مدمرة تؤدي بصاحبها الى الهلاك الحتمي.
لقد عالج العبادي حتى اليوم بعض القضايا السطحية لتركة الخراب المالكية الثقيلة والكئيبة, لكنه من الواضح انه يقف مترددا أمام أهم ملف قانوني, وحقوقي, و سياسي, وهو ملف رد الاعتبار, السياسي والأدبي والقانوني, للأستاذ طارق الهاشمي, الذي كان أحد أبرز ضحايا حقبة التسلط والإرهاب والظلم المالكية التعيسة, حين فبركت ضده وضد طاقم مكتبه اتهامات جائرة و مزيفة بالإرهاب في محاولة بائسة لتسقيطه وتسفيه طروحاته الإنسانية الراقية, كان من نتيجتها صدور أحكام الإعدام, بالجملة والمفرق, وتحت دواع سياسية محضة لاعلاقة لها بالقانون وموازين العدالة الصرفة المجردة من الأغراض السياسية, ورسخت تلك الاتهامات جروحا وخدوشا طائفية سقيمة سعى اليها المالكي حثيثا ضمن منهجه الطائفي الإقصائي التسقيطي الذي كان من نتيجته سقوط الدولة العراقية بأسرها, وتدمير مقدراتها, وسرقة ثرواتها لصالح العائلة, والأقارب والعشيرة.
لقد عرف العالم الحر طارق الهاشمي وهو يصول ويجول في أروقة العالم السياسية صوتا حرا وإنسانيا حمل صليب معاناته على أكتافه, وهو يدعو للسلم والسلام, وبناء العراق على أسس المواطنة العراقية الحقة بعيدا عن أي تصنيفات طائفية مريضة, وفتح له الاتحاد الأوروبي أبوابه, وتضامن مع مظلوميته أحرار العالم, وثبتت في النهاية, وبالدليل الملموس, رؤيته الصادقة والحكيمة للأحداث والتطورات, فيما ملف قضيته ومطالبته الدائمة بالعدل لم تزل حبيسة التردد والمصالح الطائفية المتناقضة والواقعة تحت ضغوط خارجية لا محالة.
العبادي لو كان جادا في معالجة المشكلات العراقية العويصة كان عليه الإسراع في حسم الملف القانوني للسيد طارق الهاشمي وتصحيح مظلوميته ورد الاعتبار له بالكامل, وتعويض المتضررين والشهداء من طاقم مكتبه وحمايته الذين فبركت ضدهم اتهامات ظالمة.
السيد الهاشمي كان حريصا على تطبيق العدالة الحقيقية, وأعلن عن استعداده الكامل للمثول أمام أي محكمة عادلة غير مسيسة تنظر في الاتهامات الظالمة المفبركة ضده, وهو واثق ثقة الرجال المؤمنين والشجعان بأن الحق لا بد أن يفرض وجوده في نهاية المطاف, وبأن ليل الظلم والتسلط لن يطول أبد الدهر, كما أن العبادي وفريقه يعلمون علم اليقين بأساليب إدارة المالكي الشاذة والإرهابية في التعاطي مع الملفات, وقد وجه العبادي ضربات مباشرة لرموز الفساد المالكية, لكنها كما أسلفنا ضربات بالتقسيط المريح وليست قاصمة, نظرا الى حساسية التوازنات الطائفية ولدور العامل الإيراني المهيمن على العراق في ضبط إيقاع التطورات السياسية.
ملف الأستاذ طارق الهاشمي وتصحيح الخطيئة المقترفة بحقه هو الاختبار الحقيقي لجدية حيدر العبادي, فالزمن يمضي سريعا ولا مجال للتردد والإبطاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً