اراء و أفكـار

مقدمات لعودة القوات الأميركية الى العراق

قيس العذاري*

من غير المفهوم لماذا يصر بعض المسؤولين الأميركيين على ان الحرب مع داعش ستطول، ويستخدمونها ذريعة للعودة الى العراق هناك في ادبيات الاستشراق نوعان من الاحتلالات لما دأب المستشرقون على تسميتها الشعوب الهمجية او البربرية التي لا ينفع معها سوى نوعين من الهيمنة لإعادتها الى الحضيرة الانسانية او المجتمع الانساني المتحضر: احتلال بلدان تلك الشعوب الهمجية مباشرة او السيطرة عليها من خلال الاستحواذ على ثرواتها الطبيعية وتسييرها لصالح الدول المستعمرة بغرض ترويضها وإعادتها الى الانسانية وتخليصها من طور الهمجية والتخلف.

ونحن نرى يوميا ممارسات تلك الجماعات الهمجية فعلا. ولكن تلك الممارسات ليست ثقافة تعتنقها تلك الشعوب، ولكنها تختص بتنظيمات دينية متطرفة تريد بسط نفوذها في المجتمع من خلال العنف والعمليات المتوحشة التي تطال المخالفين لتلك التنظيمات، اي ممارسة القوة والعنف في بسط نفوذها، وهذه نفسها استخدمت من قبل الدول الاستعمارية للسيطرة على شعوب وثروات دول اقل تطورا او متخلفة من قبل دول الغرب الاستعماري. بل انها عملت على ابادة مجتمعات أميركا الشمالية لتحل محلها الاعراق الغربية المتحضرة، او ما تعرف اليوم بأميركا او الولايات المتحدة الأميركية. ونفس الشيء يمكن ان يقال عن القارة الاسترالية وغيرها من البلدان المستعمرة بالقوة بوسائل التوحش نفسها التي تستعملها الدول الاستعمارية المتحضرة. وتكاد تشترك تلك التصريحات الأميركية بإصرارها على ان مكافحة داعش تستغرق سنوات طويلة دون ان توضح اسباب ذلك. فهل هي مثلا تمتلك اسلحة غاية في التطور تصعب مهمة القضاء عليها او الحد من خطرها، ومن اين حصلت على تلك الاسلحة، لان التأكيد له جانبان حربي او عسكري وثقافي. ولكن الاغلب ان تلك التصريحات تقصد الجانب العسكري او الحربي لتلك الجماعات المتطرفة. فهل يعقل ان تمتلك هذه الجماعات المتوحشة كل هذه القوة بحيث تعجز الدول المتحضرة في القضاء عليها او الحد من انتشارها؟ وإذا كانت مسألة القضاء عليها عسكريا يتطلب بعض الوقت لكننا لا نعتقد بأنه سيمتد لسنوات كما تدعي تلك التصريحات لأنها محاصرة وسط بيئة ترفضها ولكنها قبلت بالأمر الواقع خوفا او توقيا من عقوباتها القاسية ووحشية اساليبها بالانتقام من السكان المحليين. والعشائر العربية في غرب وشمال العراق اختبرت تلك الاساليب الوحشية وعانت منها ولكنها غير قادرة على قتالها منفردة او وقف زحفها نحو المدن والقرى في شمال وغرب العراق . لذلك من غير الممكن استخدام تلك الورقة لعودة القوات الأميركية للعراق، بل تعويضها بإجراءات تساعد الحكومة العراقية وسكان المناطق الغربية والشمالية على كسر تلك التنظيمات ووقف زحفها نحو الحواضر السكانية عن طريق تسليحها تسليحا جيدا وتدريب قوات الجيش وتسليحه تسليحا قادرا على مواجهة ما تمتلكه التنظيمات الارهابية من سلاح متطور، ووقف وسائل تمويلها التي لا بد ان تكون قوات التحالف على اطلاع كاف على مصادره، ومن ثم مواجهتها اعلاميا نتيجة تمكنها من استخدام وسائل الاتصالات الحديثة بمهارات عالية ومتفوقة احيانا . اما الجانب الثقافي فانه لا يقل اهمية وشأنا عن الجانب العسكري ومتطلباته، لان هذه التنظيمات تستعمل منظومة من القيم الثقافية والدينية من حديها الفاشي والتخريبي المتوحش الذي لا يؤمن بغير القوة كسبيل وحيد لإقامة دولة الخلافة الاسلامية. ومعالجة الجانب الثقافي لهذه التنظيمات يمكن ان يستمر على مدى سنوات طويلة على خلاف الجانب العسكري الذي يجب ان يحسم بحزم وقوة وبأقل ما يمكن من الوقت تجنبا لانتشاره وتجذره في المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيمات المتطرفة، حيث يعاني سكان تلك المناطق من ظروف معيشية صعبة ومن فقدان الامن ومن البطالة وغياب الخدمات والتوعية للشباب من السكان فتشكل جميعها مادة اساسية للاستقطاب وانضمام الشباب لتلك التنظيمات المتوحشة واخذ مكانها في ممارسة القوة والتوحش ازاء المخالفين لها من التجمعات الحضرية والسكانية في تلك المناطق . فإذا كانت تصريحات المسؤولين الأميركيين تقصد مكافحة الجانب الثقافي لداعش والتنظيمات الاسلامية المتطرفة وتفنيدها باعتبارها ثقافة خارج العصر ولا تصلح لعصرنا، فان ذلك بالتأكيد يستغرق وقتا طويلا لمكافحته، وهذا يعتمد على مدى تشجيع التعليم وتوفير المدارس العصرية والمعاهد والجامعات والعمل على ثقافة منفتحة على الاخر المختلف، وتوفير حياة عصرية للسكان لتشكل مصدا للتطرف الديني والتوحش وأعمال الانتقام والقتل المجاني، الذي تمارسه “دولة الخلافة الاسلامية” او دولة البغدادي بأساليبها الانتقامية وفلسفتها المتوحشة . اما من الناحية العسكرية فان دحر داعش والمنظمات الدينية المتطرفة عسكريا لا يستوجب عودة القوات الأميركية الى العراق كما تبين تصريحات المسؤولين الأميركيين، ولكنها بغرض التمهيد لإقامة طويلة الامد لمتطلبات مكافحة داعش والتنظيمات الدينية المتطرفة عسكريا، التي قد تمتد لسنوات طويلة، بالاستناد الى تلك التصريحات، ويمكن اعتبارها تمهيدا لعودة القوات الأميركية باختراع مصادر تهديد جديدة مستقبلا من اجل البقاء في العراق باعتباره احد مصادر تصدير التوحش المهدد لسلامة واستقرار الدول الاستعمارية المتحضرة .وهذا يستلزم تفهم ان العراق دولة مهددة من قبل التنظيمات الدينية المتطرفة وممارساتها الوحشية، وربما تكون مجبرة على استضافة تلك القوات درءا لخطر تلك التنظيمات الهمجية إذا وافق العراق على قدوم تلك القوات بأعداد كبيرة. وهذه الحالة تعتبر وسطية حسب المفهوم الاستشراقي، فهي بين الاحتلال المباشر للتجمعات السكانية المتوحشة والهمجية درءا لخطرها والهيمنة الاقتصادية غير المباشرة على الثروات الطبيعية . ولكن مسألة قدوم قوات امريكية الى العراق بأعداد كبيرة ليست سهلة، وتتطلب موافقة الحكومة العراقية، وهي مكلفة ماليا يتحمل العراق جزءا كبيرا من نفقاتها، اضافة الى انها تعيد ذكريات الاحتلال الذي لا يتمتع بتأييد في العراق والمنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً