اراء و أفكـار

داعش باسم السنة وداعش باسم الشيعة والناس بينهما

إبراهيم أحمد*

لم تمض سوى أيام قليلة على سقوط نظام صدام في 9 نسان 2003، ودخول قادة الأحزاب الدينية الشيعية مع ميليشياتهم وأسلحتهم العراق قادمين من إيران، حتى وقع في النجف حادث خطير!

في صراع قديم جديد بين رجال دين ومراجع شيعية؛ قتل داخل حرم الإمام علي ابن أبي طالب رجل الدين الشاب عبد المجيد؛ نجل أبي القاسم الخوئي المرجع الأعلى السابق! طعنه مهاجموه ومن معه بالسكاكين، ومزقوا جسده ورفاقه بالرصاص وبطريقة وحشية داعشية ( قبل داعش)،دون مراعاة لأي وازع إنساني، أو حرمة للمكان المقدس لديهم، وقد ساد توتر شديد كاد يؤدي إلى نزاعات ومعارك في كثير من المدن!

من أقترف هذه الجريمة المروعة كانوا هم أول من فجر الدماء في العهد الجديد على أساس الصراع على الزعامات ومن يقود الطائفة ! وقد حملت جريمتهم دلالات خطيرة ومؤشرات واضحة على المستقبل!

ترى إذا كان هؤلاء الرجال، قد قطعوا جسد أبن المرجع الأعلى لطائفتهم، وفي مرقد الإمام علي، ماذا سيفعلون بالآخرين غدا لو أمسكوا بالسلطة؟ أو منحوا الحرية في حمل السلاح، والعمل كميليشيات في شوارع وأحياء المدن؟ وإذا كان صراعهم على السلطة دمويا منذ الآن؛ فأية سلطة وأية دولة ستتكون على أيديهم؟

بعض المراقبين توقعوا أن الإدارة الأمريكية ستغير وجهة نظرها بمتزعمي الطائفة الشيعية وتتحول عن تحالفاتها معهم، رغم أنها قطعت بها شوطا طويلا ومن قبل سقوط النظام بفترة طويلة،على أساس إعلان شيعة العراق سيئ الصيت، وتتجه نحو العلمانيين واللبراليين شيعة وسنة وطوائف أخرى!

ذهبت توقعات المتفائلين سدى، فقد تدخل الأمريكان، والإيرانيون ورجال المرجعيات و قادة الأحزاب الشيعية،في هذه القضية ولفلفوها قبل أن يكفن القتلى، كان شعارهم توحدوا! فهناك عدوكم الطائفي في الجهة الأخرى، ومنذ البدء كان المسار من الدم إلى الدم!

طمست هذه الجريمة الشنيعة، ولم يعاقب أو يحاسب القتلة حتى اليوم! ولم يقف أي منهم عند معانيها ومقاصدها، وما حملت من بذور سامة للمستقبل.

لكن كوامنها تفجرت خلال فترة قصيرة، وبشكل أكثر رعبا،وأوسع نطاقا، فقد مضى هؤلاء القتلة ليتناسلوا فيخرج منهم جيش المهدي، ثم عشرات المليشيات، لا تحصى ولا تعد،أخذت أسماءها من الإسلام، وتاريخ الطائفة،وارتبطت باسم لله نفسه، كما ارتبطت بفيلق القدس في طهران وصارت هي من ينوب عن الله وقادة إيران معا، في التجريم والقصاص، فعرف الناس على أيديها القتل بالدريلات، وسحق الرؤوس وهي حية بالضواغط الحديدية، وبكاتمات الصوت، وبالخطف لقاء فدية، وعادة يلقى المخطوف بعد قبض الفدية جثة على المزبلة! وبلصوصية مقترنة بالقتل،وبالاغتصاب وهتك الأعراض، وتحت سطوتها تمت سرقة مليارات الدولارات وعقدت صفقات فساد خاصة في مجال النفط والكهرباء والتسليح وما تكشف اليوم عن مئات آلاف الجنود والشرطة الوهميين أو الدولة الوهمية!

بعد أن نشأ البيت الشيعي، وتلاه البيت السني،ثم هدم البيتان، وبني مكانهما عمارات وأحلاف وجزر ودويلات وحواجز كونكريتية،للفصل بين أحياء وبيوت للبشر الذين كانوا قبل أن يروا وجوه هؤلاء الحاكمين جيرانا وأصدقاء وأخوة متحابين، وهكذا بدأت الداعشية تلقي بيوض الأفاعي في مساكن أبناء الطائفتين وفي شتى الأماكن، وحتى بين كلمات كتاب ومثقفين وشعراء وخطباء، كانوا في فترات سابقة محسوبين علمانيين وتقدميين ويساريين!

لم تكن الطائفة الشيعية متجانسة طبعا، فقد ظلت تعتمل وتتفجر بين متزعميها اتجاهات وأفكار مختلفة، لكن الظرف الذي صنعه الأمريكان لها طمس في داخلها معظم الاتجاهات الحرة والعلمانية وأفسح المجال لمتزعميها الدينيين والطائفيين فقط بالبروز والهيمنة السلطوية والاجتماعية!

وقد ظهر هؤلاء بأقنعة وواجهات مختلفة أيضا، تحكمهم ميولهم الأولى، وتكوينهم النفسي والأيدلوجي ومؤثرات انتشارهم وأماكن إقامتهم في الخارج وارتباطاتهم، ومن كان يرعاهم بالمال والسلاح والتي امتدت بين الإيرانيين والسوريين والأمريكان والإنجليز، وتفاعلت بحكم تباين الشرائح الاجتماعية التي تقف وراءهم؛ من أغنياء بثراء فاحش تحدوهم آمال في المزيد من الثروة؛ تسرق من أموال العراقيين، إلى فقراء معوزين حتى للقمة العيش،فيبحثون عنها في المزابل!

تفاقمت الصراعات داخل الطائفة، وأشيع في داخلها جو من الشحن ضد الآخر، والمجتمع كله،وغذيت في أوساطها عقدة الاضطهاد، باسم مظلومية أتباع أهل البيت تسابقا على من يفوز بأكثر الأصوات منها ومن يحظى بولائها وسيرها خلفه معصوبة العينين!

ومع ذلك ظل الأمريكان يدافعون عن تحالفهم مع هؤلاء المتزعمين وأحزابهم وتياراتهم وعن العنصريين الأكراد الجشعين كحلفاء مشتركين، مبررين ذلك أنهم إضافة لضغوط هؤلاء عليهم، وجدوا أن شرائح ونخب المثقفين والعلمانيين ودعاة الحكم المدني قلة ودون قاعدة جماهيرية واسعة،وهم على قلتهم متصارعون مختلفون، كما إن كثيرا منهم ظلوا مترددين أو محجمين عن تحمل المسؤولية في العهد الجديد، ومعظمهم في الخارج وقد آثروا العيش الآمن الرغيد هناك على الدخول في مغامرة من أجل الوطن، خاصة وإن ثمة شكوكا دائما في نوايا أمريكا،كما إن سمعتها السيئة تجعل من يقارب السلطة في ظلها معرضا لشتى الطعون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً