اراء و أفكـار

الورطة الثقيلة لحيدر العبادي

داود البصري*

لا يختلف اثنان على أن موقف رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الذي خلف زعيم الفساد, واللصوصية, والإرهاب السابق نوري المالكي, في منتهى الدقة والحراجة والسير على الأشواك ووسط حقول الألغام! فالرجل قد ورث تركة الجماعة الطائفية والحزبية التي ينتمي إليها, طائفيا وفكريا.

وهو جزء من إرثها الثقيل أيضا, كما أنه تسلم دفة الأمور في العراق وهو في أسوأ أوضاعه قاطبة منذ عام 1990 فالبلد ثلثه في حالة احتلال من الجماعات المسلحة “الداعشية” وغيرها , كما إن إرهاب جماعات “ماعش” وهي الجماعات الطائفية المسلحة والممنهجة والمدربة إيرانيا وتدميرها واستباحة مدن أهل السنة ومساجدهم, وإحداث تغيير ديموغرافي في المدن العراقية, قد أدى الى احراج كبير لموقف العبادي الذي ظل يحاول السير على خيط رفيع من التوازن غير المحتمل في ظروف العراق الحالية , فبرغم النوايا المعلنة للرجل في إصلاح الأوضاع المتدهورة والكارثية إلا أن تنفيذ وعود الإصلاح ليس مسألة كلامية محض, بل أنه يرتبط ويصطدم بأطراف وقلاع ورموز فساد وإفساد متوحشة من الثعابين والحيتان والتماسيح, وحتى عفاريت الطائفية الرثة من مختلف الأطراف.
ملفات فساد المالكي التي دمرت العراق أكبر من أي قدرة على الإصلاح مهما كان نوعها, وحجم بؤر الفساد التي حفرها المالكي وجعلها ضمن دفاعاته أكبر بكثير من أي تصور بعيد عن الساحة العراقية العامرة تاريخيا بكل صور النفاق, والغدر والخديعة فضلا عن الشقاق.
العبادي في النهاية هو إنتاج عملية تحاصص طائفية رثة لايمكن لها أن تعبر حقيقة عن المنهج الديمقراطي, كما أن ارتباطاته وعلاقاته وطبيعته الطائفية تجعله منحازا منذ البداية, من دون نسيان حجم وطبيعة الهيمنة الإيرانية على النظام السياسي العراقي الذي تحول أخريات عهد المالكي ملحقاً بنظام الولي الإيراني الفقيه في طهران, سواء من خلال التحالفات والتورط في العمل ضد الثورة السورية, أو من خلال الاضطهاد الدموي للمعارضة الإيرانية من جماعة المجاهدين المقيمة في العراق منذ عقود طويلة.
نظام المالكي حول العراق مزرعة إيرانية تسعى فيها ثعابين الحرس الإرهابي الثوري الإيراني, وهو ما كافأة عليه الخامنئي بإصدار تصريحات علنية هي بمثابة فتوى تشيد به وبدوره الكبير في بناء العراق! رغم أن الخامنئي هو سيد العارفين ان المالكي هو من دمر العراق وبنجاح وتميز كبير, لكنه حديث وموقف المصالح الذي يعلو على كل الأحاديث , لذلك فإن الوصفة و”الروشتة” الصحيحة لتعديل الوضع العراقي تنطلق من ضرورة توقيف, واعتقال, ومحاكمة نوري المالكي وأعضاء طاقمه السياسي والاستشاري والعسكري, وعلى رأسهم ضباطه الفاسدين والمسؤولين عن مقتل الآلاف من الشباب العراقي, كعبود قنبر وعلي غيدان وغيرهما من أساطين ورموز الفساد والمعروفين جيدا! وهي مهمة مستحيلة في عرف حيدر العبادي الذي يعلم ان صنابير جهنم ستفتح عليه في حال الإقدام على تلك الخطوة والتي هي خطوة مطلوبة شعبيا, لكن الشعب العراقي لايقرر شيئا, بل أن من يقرر مراكز القوى الطائفية عبر قلاعها الحصينة التي تحاول التقاط الأخطاء للفوز بكعكعة السلطة الشهية في العراق.
العبادي يعرف جيدا الطريق الممهدة للإصلاح والتغيير, لكنه لايستطيع تجاوز دوره المحدود وتحدي المرجعيات الإيرانية الواسعة التأثير في العراق الطائفي, والحرب الدولية ضد ما يسمى الارهاب تفرض عليه معايير حذرة جدا في التحرك , كما أنه يعلم انه كلما يتوغل جديا في ملاحقة الفساد وأهله فإنه يقرب من يوم أجله المحتوم , فالاغتيال والتفخيخ يظل الهاجس الحاضر على الدوام.
لقد بنى التخادم الإيراني – الغربي في العراق خلال سنوات الاحتلال قلاع فساد أكبر مما يمكن تصوره نظريا أنتج المئات من أصحاب المليارات المسروقة, ومن الأحزاب والجماعات التي تحميهم وتذود عنهم, العبادي هو في النهاية كما أسلفنا إبن بار للمؤسسة الطائفية التي جلبته للسلطة وحولته في مفاجأة من المفاجآت العراقية المعهودة حاكما غير منتظر, ولم يكن يتوقعه أحد, أو أن يكون إسمه ضمن بورصة الترشيحات المتداولة بعد إقتناع الغرب بضرورة ترحيل المالكي لإنقاذ مايمكن إنقاذه!
بريطانيا العظمى تعرف رجالها جيدا وتعدهم لليوم الموعود! ولكن مفاجآت ونفاق الطبقة السياسية العراقية أكبر من كل ماهو متصور! لاطريق أمام العبادي لنجاح التغيير الذي يتنعم به على الدوام سوى محاكمة نوري المالكي وتنظيمه العصابي, فهل يتمكن الرجل من ذلك? لو فعل سيدخل التاريخ, ولو نكص وتراجع فهو لن يختلف عن الآخرين مجرد رجل عابر في مرحلة عابرة وبشعة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً