اراء و أفكـار

أوباما وإيران والحلقة المفقودة

د . ناجي صادق شراب*

مفاوضات الملف النووي الإيراني بين الولايات المتحدة وإيران أشبه باستراتيجية شد الحبل . كل منهما يحاول شد خصمه إلى دائرته، مع حرصهما على إبقاء الحبل مشدوداً بينهما من دون أن ينقطع ابتداء يبدو أن الهدف من هذه المفاوضات هو الحرص على بقاء هذه الاستراتيجية بديلاً لاستراتيجية قطع شعرة معاوية، ومن ثم الذهاب لخيارات التصعيد العسكري التي قد تدفع إلى المواجهة الشاملة ودخول المنطقة كلها في حرب أشبه بالحرب الكونية لا احد يعرف الخروج منها، في ظل حرب دولية على الإرهاب في المنطقة .
وإدراكاً من الولايات المتحدة بأن أي حرب جديدة مع إيران تعني أولاً توسيع دائرة الحرب الدائرة في المنطقة . ثانياً استمرارها . وثالثاً جر الولايات المتحدة إلى الإنغماس بحرب برية لا تضمن الخروج منها، وقد تكلفها خسائر بشرية كبيرة، وهي الحريصة على عدم العودة إلى هذا الخيار . ورابعها، أن هذه الحرب قد تمتد إلى خارج الحدود المرسومة لها، وقد تصل تداعياتها إلى داخل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وأخيراً أن هذه الحرب قد تمس وجود “إسرائيل”، والأخطر من كل هذا أنها قد تتحول إلى حرب دينية عمياء . لكل هذه الأسباب تحرص الولايات المتحدة على استمرار المفاوضات وصولاً إلى صفقة شاملة تقدم من خلالها مزيداً من المرونة والتنازلات، ولو على حساب علاقاتها التحالفية بدول المنطقة، والاعتراف بدور إيراني إقليمي ومناطق نفوذ لها . وهو ما يعني إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة ليس من منظور جغرافي، ولكن من منظور خلق مناطق نفوذ جديدة تراعى فيها المصالح الإيرانية، وبالمقابل تدرك إيران أن أي حرب شاملة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” ودول أخرى كثيرة لن تخرج منها منتصرة، بل ستدمر الكثير من بنيتها التحتية والنووية، وتصيب اقتصادها بضربات مدمرة، وهو الاقتصاد الذي يعاني الكثير بسبب العقوبات المفروضة عليها، ومن ناحية أخرى قد تفقدها الكثير من مناطق نفوذها في المنطقة، وتضعف من قدراتها وقوتها، وقد يترتب على هذه الحرب تعريض نظام الحكم كله للخطر والانهيار في حال قيام ثورة داخلية . ومثل هذه الحرب قد تفقدها الكثير من مخزونها العسكري الذي أنفقت عليه المليارات من الدولارات التي يصعب تعويضها .
من هذا المنظور فإن إيران حريصة كما الولايات المتحدة على بقاء استراتيجية شد الحبل، واستمرار المفاوضات بهدف انتزاع المزيد من التنازلات من الولايات المتحدة وأوروبا برفع كل العقوبات، وتسوية ملفات أخرى في سوريا والعراق .
هي هنا يمكن أن تلوح بأوراق أخرى بيدها مثل دورها في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على “داعش”، ووضع حد للأزمة السورية، وفي اليمن، وفي موضوع العنف بشكل عام، وهي أوراق تدرك الولايات المتحدة أهميتها .
والسؤال هنا ما دوافع الرئيس أوباما لعقد صفقة مع النظام الإيراني وهي الدولة الأكثر عدائية لها؟ ملامح هذه الصفقة التي بدأ الحديث عنها إعلامياً، قد لا تكون بعيدة عن الواقع السياسي الداخلي للولايات المتحدة بعد انتخابات الكونغرس وفوز الجمهوريين، وتقييد دوره داخلياً، والحفاظ على ما أنجزه عبر سنوات حكمه، وعلى المستويين الاقليمي العربي وما يتعرض له من تراج في الدور العربي، وقلق الدول العربية إلى أوضاعها السياسية الداخلية، ومن انتشار العنف الذي تقوده “داعش” وغيرها من الحركات الإسلامية المتشددة . ولذلك لا خوف كثيراً من تراجع المصالح الأمريكية في المنطقة أو المساس بها . وعلى مستوى العلاقات مع “إسرائيل” الذي يدرك زيادة نفوذها بعد فوز الجمهوريين .
والأهم في هذه الصفقة هو البعد الشخصي للرئيس نفسه، فهو كأي رئيس أمريكي حريص على أن يترك إدارته وهو يحافظ على ما تحقق من إنجازات داخلية في مجال الاقتصاد الأمريكي ومعافاته، وفي مجال الرعاية الصحية، وفي الوقت ذاته حريص على أن يحقق إنجازاً كبيراً يسجل له رئيساً .
لقد بدأ أوباما رئيساً حالماً مثالياً بدعوته لنبذ الحرب وسيلة لتحقيق مصالح أمريكا، ولذلك عمل كما وعد في حملته الانتخابية على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، وهو يدرك أن مثل هذه السياسة ستفقده كل إنجازاته، ولذا صنف الرئيس الأمريكي بالرئيس الإيجابي، ثم وبعد سياساته السلبية صنف بالرئيس الإيجابي السلبي، ولذلك يريد أن يحقق إنجازاً كبيراً ينطلق من هذه التصورات والمدركات التي تحكم شخصيته، وأقرب إنجاز بين يديه هو الملف النووي الإيراني، وإدراكاً منه بأن ملف التسوية السياسية في الشرق الوسط والوصول إلى حل للصراع العربي – “الإسرائيلي”، ووعده بتنفيذ حل الدولتين لا يبدو في الأفق القريب، من هنا هو يركز كل جهده على الملف النووي الإيراني، من دون أن يغلق ملف القضية الفلسطينية .
وإدراكاً منه ان الحرب على الإرهاب قد تطول، وقد لا تنتهي في عهده . فهو بهذه الصفقة يحقق هدف بقاء “إسرائيل” وأمنها، وبالتالي يرضي الجمهوريين . ويدرك أيضاً أن صورة الولايات المتحدة ليست مقبولة كثيراً في المنطقة، وأن مزيداً من الانغماس البري قد يتسبب في مزيد من الكراهية والمعارضة لسياساته، ولذا لا يوجد ما يخسره من وراء صفقة مع إيران ما دامت الدول العربية منشغلة بقضاياها الداخلية، بل إنه قد يذهب للقول إن مثل هذه الصفقة أيضاً لمصلحة الدول العربية، المتمثلة في ألا تدخل في حرب ستكون أرضها هي المسرح الحقيقي لها . ويبقى السؤال كيف يمكن للدول العربية أن تتعامل مع مثل هذه الصفقة في حالة تحققها؟ هل ستتعامل معها بشكل فردي أم بشكل جماعي من خلال سياسة عربية موحدة، وهو أمر مستبعد، لكنها في النهاية تفرض حتمية المراجعة للخيارات والأولويات العربية في علاقاتها الإقليمية والدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً