اراء و أفكـار

مهزلة الفضائيين

شاكر شاهين*

الحمد لله، أخيراً تسنى للعراق ان يعانق السماء وينهض مثل الفيل الهندي والتنين الصيني والدب الروسي لينافس هذه الامم العريقة التي صعدت الى الفضاء الخارجي ويسجل اسمه هذه المرة على الفضاء الارضي بفضيحة الجنود الوهميين الذين تسببوا في اهدار اكثر من 37 مليار دولار ذهبت في جيوب الضباط الكبار واتباعهم من السماسرة.

ففي الاونة الاخيرة كشف رئيس الوزراء حيدر العبادي عن ملف الفساد في المؤسسة العسكرية والمتعلق بالجنود الوهميين او الفضائيين حسب التسمية الشعبية وهي خطوة جريئة رغم تأخرها وتحتاج الى المزيد لتنقية هذه المؤسسة من الادغال التي اعاقت تطورها لاجيال عدة. أثارت القضية بعد اعلانها استياء الشارع العراقي رغم ان الكثيرين يعرفون بها قبل ان تعلنها الحكومة. الاستياء بالاحرى كان على الكم الهائل من الاموال التي اهدرتها المؤسسة العسكرية والذي كان يمكن ان يستخدم في مجالات التنمية والنهوض بمعيشة الفقراء والكادحين. يعتقد البعض ان الدافع وراء تغيب او تغييب الفضائيين هو الربح المادي ورغبة الضباط على تعويض جزء من الخسارة الروحية التي يسببها العمل الروتيني العسكري والغياب الطويل عن الاسرة. وهو وإن كان صحيحاً لكن يمكن القول ان هناك دوافع اخرى عملت على افساد الروح العسكرية ووصولها الى مثل هذا الانهيار. الدافع الاساسي يكمن في ضعف المراقبة على الضباط وقلة تشريع القوانين التي تضبط سلوكهم في المرحلة الراهنة والاكتفاء بالتشريعات القديمة كحالة علاجية مؤقتة. ومن جهة اخرى هو امكانية الضابط على التحايل والمراوغة على القوانين العسكرية او عدم الامتثال لها في ظل غياب شبه تام للسلوك العقلاني الذي يحترم القانون على مستوى الرئاسات الثلاث نزولا الى المستويات الادنى في المجتمع. الرجل العسكري يعي تماماً بان هناك مضيعة للوقت في احترامه للقانون وعليه ان يغتنم الفرصة لممارسة دوره في الوصول الى توطيد سلطة مالية يمكن الاستفادة منها في حال كشف التلاعبات او الاحالة على التقاعد. كما انه متيقن من مثل هذا الكشف لممارساته سوف يمر بسلام نظراً لوجود اعراف سائدة في مثل هذه القضايا تعمل على تبرئة المتهم من جريمته في ظل وجود وسطاء (واسطات) يستفيدون من فسادهم بشكل دائري. ولذا فان قرار رئيس الوزراء باحالة بعض هؤلاء الضباط الى التقاعد يعد هدية ثمينة لهم بعد ربحوا في صولاتهم من المال العام. اصبح السيد العبادي في طرحه لقضية الفضائيين (يكسر ويجبر)، فهو كشفهم من جهة، وأراح الضباط الفاسدين باحالتهم الى التقاعد بدلاً من المحاكمة. وهو ما يذكرنا بعمل رئيس الوزراء السابق الذي كان يكشف الى الجمهور بعض الفاسدين ثم نراهم في اليوم التالي في طائرة خارج البلاد. هكذا تجري الامور في العراق الجديد بشكل صفقات تتربح منها النخب السياسية والعسكرية مقابل خسارة مجتمع بكامله. اثناء عرض مهزلة الفضائيين ضمن التقارير الاخبارية شاهدت تقريراً عن نساء يعشن في صرائف لا تقيهن الحر والبرد ويعانين من الجوع والمرض. احداهن – كما عرضت شاشة الحرة – فقدت زوجها واطفالها الاربعة في تفجير لئيم اثناء تبضعهم لشراء ملابس العيد. قارنت بين حال النسوة وحال اولئك الطغاة الذين تربحوا من اموال الفقراء والمساكين واليتامى، واولئك الساكتين الساكنين في ابراجهم العاجية من النواب ورجال الدين والمتنطعين وتحسرت على مثل هذا الوضع المؤلم، بل عاتبت نفسي وأنبتها لاني قد شريكاً في ظلمهن من حيث لا أدري. لا حول ولا قوة إلا بالله. *كاتب عراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً