اراء و أفكـار

مأزق الإستراتيجية الأميركية من إيران إلى داعش!

د.عبداللّه الشايجي*

من المفترض عند كتابة هذا المقال أن تكون المفاوضات بين دول مجموعة (5+1) وإيران حول برنامجها النووي والمستمرة منذ أكثر من عام قد اقتربت من نهايتها للتوصل لاتفاق نهائي ودائم في 24 نوفمبر 2014 بعد تمديد المهلة مرة واحدة في الصيف الماضي ومن المعطيات لا يبدو أن التوصل لاتفاق نهائي واقعي أو قريب بالنظر لاستخدام تكتيك من كلا الطرفين الغربي بقيادة الولايات المتحدة وإيران بالمبالغة بوجود فجوة وصعوبة من الصعب التغلب عليها في الوقت الراهن وخاصة حول نسبة كمية اليورانيوم المخصب الذي على إيران الاحتفاظ به وعدد وحدات الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.

كما أن إيران ترفض طول المدة التي يجب أن تخضع لها ضمن الاتفاق وهو 20 عاما وهذا قابل للتفاوض.. وهناك مطالبة وإصرار من إيران على سرعة رفع العقوبات بشكل شامل ونهائي بعد التوصل للاتفاق النهائي، فيما ترى الدول الكبرى أنه يجب أن تكون متدرجة لامتحان جدية إيران بالالتزام ببنود الاتفاق..ولذلك تستمر المفاوضات حول النووي الإيراني بمشاركة وحضور وزراء خارجية الدول المعنية. فيما انخفض سقف التوقعات لتمديد المهلة أو التوصل لاتفاق مرحلي على أن يستمر التفاوض للتوصل لاتفاق نهائي، كما يقول الكثير ممن تفاوض مع الإيرانيين إن التفاوض معهم معقد وصعب، طبعا ينسى هؤلاء أن الإيرانيين يتفاوضون ويتصرفون مع الآخرين بعقلية تجار البازار والمكاسر وهذا جزء مهم من عقلية المفاوض الإيراني وثقافته! ولكن يبقى الملف النووي الإيراني أولوية للإيرانيين والمجتمع الدولي وخاصة لإدارة الرئيس أوباما وطبعا بالنسبة لنا في دول مجلس التعاون الخليجي الذين نتابع باهتمام.. وجيد أن تكون هناك قناة تواصل ويطلع وزير الخارجية الأميركي جون كيري نظراءه الخليجيين في دول مجلس التعاون الخليجي على فحوى المفاوضات ويجتمع في فيينا مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ليضعه في أجواء المفاوضات حول الملف النووي مع إيران. ولكن عدم التوصل لاتفاق شامل يبقى عقدة ويشكل مأزقا لكلا الطرفين الأميركي والإيراني بالتحديد، لأن التأخر في التوصل لاتفاق قبل مطلع يناير 2015 سيعني أن الكونغرس سيحبط ذلك الاتفاق بسبب سيطرة الجمهوريين المشككين بإيران، حيث سيطر الجمهوريون على مجلسي النواب والشيوخ ولا يمكن للرئيس أوباما أن يرفع العقوبات الأميركية عن إيران دون مصادقة الكونغرس الأكثر شراسة وعداء لإيران وأكثر توددا وتقربا وتفهما وتعاطفا مع إسرائيل..التي يشكك نتانياهو بجدوى أي اتفاق مع إيران يبقي مخزونا كبيرا من اليورانيوم المخصب ولذلك عاد نتانياهو ليذكر ببقاء خيار الضربة العسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية كتذكير بأن على المفاوضين أن يأخذوا في عين الاعتبار مصلحة ومطالب تل أبيب. ما يزيد من حجم المأزق وخاصة للولايات المتحدة الأميركية، التي يتطلع الرئيس الأميركي أوباما لأي إنجاز كالتوصل لاتفاق نهائي وشامل حول برنامج إيران النووي يتوج به رئاسته التي تفتقر لأي إنجاز ذات معنى وليخلد بين الرؤساء الكبار في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية وهذا يزيد من حجم المأزق.

في المقلب الآخر، قام أعلى قائد عسكري أميركي رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في زيارة غير معلنة للعراق- بعد يومين من عدم استبعاده إرسال قوات برية للقتال مع القوات العراقية في المناطق الحساسة، ما يعني أن إستراتيجية الولايات المتحدة بمواجهة داعش لا تزال قيد التشكيل- وسط تردد أوباما الذي لا يزال في حالة إنكار ويقاوم إرسال قوات برية للعراق فيما القيادات العسكرية وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية يفضلون أن يكون لديهم الخيار لإرسال قوات برية إذا ما كانت هناك جدية في إضعاف وهزيمة داعش.

وهذا أن دل على شيء فإنه يدل على عدم نضج وبلورة إستراتيجية فعالة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية مع الدول المشاركة في «تحالف الراغبين» لتحقيق الأهداف الصعبة التي وضعها الرئيس أوباما قبل ثلاثة أشهر عندما بدأ القصف الجوي لمواقع داعش في العراق ثم أعقبه قبل شهرين ببدء القصف ضد مواقع داعش في سوريا. مع تقدم العراق على سوريا في الأولوية والأهمية والتركيز..وذلك «لإضعاف وهزيمة داعش»، كما يكرر الرئيس أوباما وفريق أمنه الوطني في كل مناسبة. دون أن يبدو ذلك واقعيا بالنظر للإستراتيجية التي تعول عليها واشنطن. وهذه ثغرة كبيرة، تُضاف لثغرات عديدة في إستراتيجية مواجهة داعش.

بعد ثلاثة أشهر لا تزال الإستراتيجية قيد التشكل. فيما الحلفاء يشككون ويتساءلون عن نجاعة وفعالية هذه الإستراتيجية التي وإن نجحت حتى الآن في وقف تقدم داعش وأبطأت من زخم حملتهم وتمدد التنظيم في سوريا والعراق، لكنها فشلت في تحقيق ذلك في جبهات أخرى.. والأهم إن تلك الإستراتيجية في شهرها الثالث لم تنجح بعد في كسر قوة داعش في معاقلهم الرئيسية في العراق وسوريا أو في رفع الحصار ووقف القصف المستمر منذ أكثر من شهرين على عين العرب التي غير اسمها تنظيم داعش لـ«عين الإسلام» على الحدود السورية- التركية.

السيناتور الأميركي الجمهوري المخضرم جون ماكين الذي هزمه أوباما في انتخابات الرئاسة علم 2008- يسلط الضوء بشكل ناقد على مأزق الإستراتيجية الأميركية في المنقطة حول داعش وإيران والمأزق الداخلي حول القرار التنفيذي للمهاجرين غير الشرعيين.. ويتهم ماكين إدارة أوباما بثلاث تهم كبيرة وخطيرة..الأولى تسييس قضية المقيمين بطريقة غير شرعية باستخدامه الأوامر التنفيذية دون مصادقة الكونغرس.. لمصلحة الديمقراطيين ومرشح الرئاسة عام 2012.. الاتهام الثاني انتقاد قوي لإستراتيجية أوباما ضد داعش التي وصفها بأنها تذكر بالعزيمة في فيتنام وماكين كان مقاتلا في سلاح البحرية وأسقط ماكين سجين حرب لسنوات.. بسبب زيادة عديد القوات الأميركية والخبراء في العراق وهو بالضبط تكرار للسيناريو الذي تورطت فيها أميركا لخمسة عشر عاما… وخسرتها ! والتهمة الثالثة من السيناتور ماكين لإدارة أوباما اتهام الإدارة بالاستماتة DESPERATE- للتوصل لاتفاق نوري مع إيران…حول برنامج إيران النووي…ووصف السيناتور جون ماكين ذهاب وزير الخارجية جون كيري شخصيا للتفاوض مع الإيرانيين حول برنامجها النووي الذي من المفترض التوصل إليه بحلول الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري (والذي يبدو متعثرا ومستبعدا بسبب استمرار الفجوة والخلافات بين مجموعة 5(+1) وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وإيران» يُرسل قشعريرة في جسدي» وأي اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران بحاجة لمصادقة الكونغرس!

ثلاثة ملفات ملتهبة! ستجعل المواجهة شرسة ومعقدة ومفتوحة على جميع التوقعات..لشتاء ساخن سياسيا.. تناقضه الأجواء الجليدية والثلوج والأعاصير وحرارة تحت الصفر يعاني منها الأميركيون منذ أكثر من أسبوع ووصلت الحالة في ولاية مثل نيويورك ليصل ارتفاع الثلج أكثر من مترين.. وأنا شاهد على ذلك وأعاني منه يوميا! حتى أن الأميركيين يدون دهشتهم لهذه الأجواء المناخية الصعبة التي هي أشبه بأجواء يناير الباردة وليس نوفمبر! ولنا عودة لنفصل حول تلك الملفات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً