ثقافة وفن

نيران السامرائي تحاول إنقاذ مخطوطات العراق وذائقته الحضارية

نيران السامرائي

نيران السامرائي مصممة أزياء وناشرة مخطوطات إسلامية نفيسة، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية من جامعة بغداد، ودبلوم عال من كلية الفنون الملكية في بريطانيا، وعلى العديد من شهادات التقدير لقاء عملها في نشر المخطوطات الإسلامية التي شاركت بها في الكثير من المعارض الدولية.

ونيران السامرائي هي زوجة أحمد الحجية السامرائي رئيس اللجنة الوطنية الأولمبية العراقية، الذي اختطف في العام 2007 مع أربعة وعشرين شخصا ما زال مصيرهم مجهولا حتى الآن، وهي التي لم تترك فرصة ولا منبرا إلا وتحدثت عن هذه القضية من باب أنها قضية وطن، قضية خمسة وعشرين شخصا مجهولي المصير بكل ما تتضمنه هذه المأساة من تأثير سلبي على عوائلهم وابنائهم، فتقول: “الأمور العامة أهم بكثير من الأمور الخاصة وما تعرض له زوجي ليس قضية استثنائية بل هي قضية من آلاف القضايا والقصص التي حدثت وتحدث ولكني حرصت على استمرار إثارة القضية في الإعلام، فليس كل صاحب قضية قادر على إيصال صوته، ويجب أن نكون نحن صوته”.

اختطاف الوطن

وبلغت رغبة السيدة نيران السامرائي في إيصال صوتها وأصوات الكثيرين من أبناء العراق المُختطف إلى أن تطلق كتابها الأول كمؤلفة “شهدت اختطاف وطن” الصادر في العام 2011 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وتوضح الآتي: “هدفي من هذا الكتاب تثبيت حقائق دامغة وأحداث جسام مرت على بلادي مثل ما عشتها لفترة زمنية قاسية خلتها دهرا، دفع ثمنها خيرة أبناء الوطن وأشرفهم، وذلك بسبب إثارة الطائفية المهلكة بين الطوائف المختلفة، وبين الأديان المتعددة، وقد أردت بكلماتي هذه التحذير من استبدال نظام جائر بنظام جائر آخر، والقول بأن اختطاف الوطن لا يكون بالاحتلال فقط لأن الاحتلال مدة محدودة ستنتهي مهما طالت، لكن اختطاف الوطن الحقيقي يتمظهر في عملية التغييب القسري لأبنائه ومفكريه ونخبه المثقفة، للقضاء على مشاعر المواطنة والانتماء التي تؤدي بالضرورة إلى القضاء على المستقبل”.

معترك المغامرة

السامرائي عملت على تحقيق المخطوطات الإسلامية الموجودة في المتاحف الغربية ونشرها، وكانت أول امرأة تدخل هذا المجال تقول: “أنا أعتز بهذه الخطوة لأنها جعلتني أكتشف تاريخي الرائع، والنقطة التي تسعدني في هذا المجال أن العالم الذي نتهمه بسرقة تراثنا، وهو في الحقيقة سرقه، إنما حافظ عليه بدرجة عالية من الاهتمام والرعاية في الوقت الذي ضيعنا فيه نحن معظم تراثنا وإرثنا الحضاري، وفي الحقيقة عملية تحقيق المخطوطات ونشرها تحتاج إلى جهود دول ومؤسسات، وحين قررت دخول هذا المعترك منفردة وصفني البعض بالمغامِرة إن لم يكن أكثر”.

وفي هذا المجال أنجزت السامرائي مخطوطتين إسلاميتين موجودتين في مكتبة متحف “تشستر بيتي” في دبلن بآيرلندا، تعتبران من أهم وأندر المخطوطات على الإطلاق، هما “مصحف روزبيهان”، الذي خط صفحاته الثمانمئة والتسعين في النصف الأول من القرن العاشر الهجري (القرن السادس عشر الميلادي) محمد بن نعيم الطبعي الملقب بـروزبيهان، وتأتي أهمية هذا المصحف التراثية من كونه ما زال مقروءا بكامل أجزائه الثلاثين بينما فقدت كثير من مخطوطات المصاحف العديد من أجزائها، والمخطوطة الثانية والتي تعود إلى القرن السابع للهجرة هي مخطوطة “الكواكب الدرية في مدح خير البرية” أو “قصيدة البردة” للشاعر محمد بن سعيد البوصيري، وهي عبارة عن مئة وثلاثة وستين بيتا تم تدوينها على ستين صفحة من الورق الصقيل شاحب اللون، وتأتي أهمية المخطوطة التاريخية والتراثية من كونها انتصرت على المؤثرات الخارجية وبقيت مقروءة ومحتفظا بتوقيع خطاطها، في حين أن معظم المخطوطات الإسلامية تفتقد إلى ذلك بفعل العوامل الزمنية وتأثيرات التلف التي مرت عليها.

أنجزت السامرائي تحقيق مخطوطتين إسلاميتين وحفظهما موجودتين في مكتبة متحف «تشستر بيتي» في دبلن بآيرلندا، تعتبران من أهم وأندر المخطوطات على الإطلاق، هما «مصحف روزبيهان»، الذي خط صفحاته الثمانمئة والتسعين في النصف الأول من القرن العاشر الهجري محمد بن نعيم الطبعي الملقب بـروزبيهان، ومخطوطة «الكواكب الدرية في مدح خير البرية» أو «قصيدة البردة» للشاعر محمد بن سعيد البوصيري

التراث الضائع

وحول تعاون متحف “تشستر بيتي” المالك لهاتين المخطوطتين معها خلال رحلة تنفيذ عمليات التحقيق والنشر التي امتدت سنوات، تقول السامرائي: “المتاحف تحتاج الأموال وبالتالي ترحب بكل من يرغب في تحقيق أحد مقتنياتها ونشره، لكن ضمن شروط قاسية على الصعيدين المادي والتنفيذي، والأساس أن المخطوطة المنسوخة يجب أن تحاكي الأصلية بنسبة مئة بالمئة وإلا تُرفض”، وتضيف :”الأوائل حرصوا على تنفيذ المخطوط وحمايته وتوزيعه بينما حرص الأواخر على تضييعه كما ضيعوا أغلب التراث العظيم للأمتين العربية والإسلامية، ولو أن كل دولة تحقق مخطوطة واحدة في السنة لكان هذا التراث خرج إلى النور ووصل إلى الشباب وعزز انتماءه وفخره بماضيه في حاضر يؤسس لمستقبله، ولكن بما أننا ضيعنا الماضي ونضيع الحاضر إذا لا مستقبل لنا”.

سر الحرف العربي

ومن اللافت لدى نيران السامرائي عملها في مجالين يكاد المرء يشعر بأنهما غريبان عن بعضهما ولا يوجد ثمة رابط أو صلة بينهما، فمن الكتاب سواء كان تأليفا كما “شهدت اختطاف وطن” أو تحقيقا ونشرا كما المخطوطات الإسلامية، إلى عالم الأزياء، لكنها تقول: “سر العلاقة بين الكتاب والأزياء يكمن في الحرف العربي، أنا التي نشأت في بيت يحكمه الحرف العربي وتتسيده لغة القرآن الكريم بكل بهائها وجمالها، فوالدي شاعر وأمي مدرسة لغة عربية، وبالتالي نشأت على عشق الحرف العربي الذي لا أذكر حتى متى بدأت في خطه ورسمه، فحرصت على أن أزين به الأزياء التي أصممها فخرا به وبلغتي أسوة ببقية الشعوب المتعصبة للغاتها والفخورة بها، إضافة إلى أن ما أقدمه من عروض للأزياء ليس عروضا تقليدية كما المتعارف عليه، بل هو عروض فنية ثقافية حضارية، فهناك شاعر يكتب نصا مصاحبا للعرض، وموسيقى خاصة، وراوية هي جزء من العرض وكأنها شهرزاد، لتكون العروض قصصا لنساء كانت لهن أدوار في بناء الأمة، مثل نفرتيتي و كليوباترا وبلقيس ملكة سبأ، والولادة بنت المستكفي صاحبة أول صالون أدبي تقيمه امرأة، وغيرهن”.

وتعود نيران السامرائي بروحها وعملها هذا العام إلى العراق، فقد أنجزت عرضا للأزياء العراقية تنوي إقامته في عدد من المنتديات الثقافية العربية التي تعتد بانتمائها إليها كالمنتدى الثقافي العربي في الأردن، على أن يعود ريع العروض إلى الأطفال العراقيين اليتامى.

نيران السامرائي : بما أننا ضيعنا الماضي ونضيع الحاضر إذا لا مستقبل لنا

تحت الاحتلال

نيران السامرائي توزع أيامها بين عمان والقاهرة ولندن، وفي زمن الربيع العربي، وهي التي خبرت وعاشت الحرب العراقية وآثارها وانعكساتها القائمة حتى اللحظة، كانت لها رؤيتها الخاصة التي تتلخص في أن تخريب العراق ومصر وسوريا هو مصلحة إسرائيلية، تقول: “أعتد بانتمائي وبأصولي وديني وقوميتي وتراثي، ولابد لي ولنا جميعا من الوقوف في وجه من يريد إتلاف البلاد، والمتضرر الوحيد من الصراعات الدائرة والحروب الغادرة في المنطقة العربية هو الوطن بأبنائه البسطاء، والمستفيد الوحيد هو إسرائيل التي لا تعتقد أن أمنها وسلامها يأتي من السلاح الذي تمتلكه بل يتلخص أمنها في القضاء على ثلاث دول، هي مصر وسوريا والعراق، وما حصل في بلدي العراق هو غزو واحتلال أجنبي، وأنا لا ألوم الأميركي، إنما ألوم أبناء الوطن الذين نفذوا ما تريده أميركا، فالاحتلال لو لم يلاق أرضا خصبة لما استطاع تحقيق مبتغاه. في العراق لم يسقط ديكتاتور فقط بل سقطت الدولة وإلى اليوم لا توجد دولة، إنما توجد منطقة اسمها (المنطقة الخضراء) يحتمي فيها القائمون والمسؤولون الذين يمثلون حكومة العراق لكنهم لا يمثلون الشعب، وما يحدث الآن في غرب العراق وفي الأنبار تحديدا عملية إبادة وتهجير والسبب المعلن هو وجود القاعدة وما يسمى بدولة العراق والشام ولكن السبب الخفي هو سعي ما يسمى دولة في العراق للسيطرة على كامل المنطقة بسبب اكتشاف اليورانيوم فيها، إذا العراق الآن في حالة انعدام دولة وانعدام قانون، وبالتالي انعدام الأمن والأمان، وهذا يؤدي يوما بعد يوم إلى الاستمرار في تهجير العقول والنخب القادرة، لو أتيح لها، على أن تبني البلاد”.

السامرائي عملت على تحقيق المخطوطات الإسلامية الموجودة في المتاحف الغربية ونشرها، وكانت أول امرأة تدخل هذا المجال

الأمة بضميرها

وبرأي نيران السامرائي أن ما جرى ويجري في العراق يختلف كليا عما يحدث في المنطقة العربية خلال الثلاث سنوات الماضية، وعن مصر تقول: “الشعب المصري المسالم عبثت به أياد خارجية، وغُسلت العقول باسم الدين، وبالرغم من كل ما حصل لنا لدي ثقة كبيرة في الشعب المصري الذي يحب بلده ويخلص له، وهو شعب تميز عن باقي شعوب الأمة بنقطتين؛ حب الوطن والتفاني في خدمته، وحب الله والتفاني في الخوف من إغضابه، والإنسان الذي يخاف الله يحركه ضميره مهما تكون قناعاته، يضاف إلى كل ذلك وجود الفئة الواعية والمثقفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والتي تملك إرادة إنقاذ البلد، وأعتقد أن أمل الأمة الآن يتجلى بالشعب المصري ونخبه”.

بينما ترى السامرائي أن الثورة السورية لم تعد كما بدأت وأن أطرافا خارجية كثيرة تدخلت فيها ودخلت عليها كما حدث في العراق، وعند سؤالها عما إذا كانت إيران وحزب الله من هذه الأيادي الخارجية تجيب: “أعتقد أن الأمة بضميرها، وضميرها من ضمير أبنائها، وبالتالي عليّ أن أتكلم بضمير، إيران جارة عريقة ومسلمة وجزء مهم من تاريخ الأمة الإسلامية، وبالرغم من أن البعض يتهمها بعلاقة جيدة مع إسرائيل، إلا أنني أعتقد أن وجود حزب الله، الذي أسسته ودعمته إيران، والمكون من خيرة الشباب اللبناني الذي وقف في وجه إسرائيل ينفي ذلك الزعم أو الاعتقاد، حزب الله الذي أنحني تحية وتقديرا لإنجازاته خلال السنين الماضية، إلا أنني أرى أن المصيبة التي حدثت في تاريخه هي تدخله في الأحداث في سوريا، هذا التدخل الذي أثار المشاعر وقلب المفاهيم، مما سبب انقساما شديدا حوله بين الناس، ولكن لابد من الاعتراف بأن حزب الله ما كان له أن يرفض هذا التدخل لأنه يتلقى أوامره من إيران، مؤسسته وداعمته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً