حرب من أجل العراق لا سوريا
فهد الخيطان*
يكشف الفصل الثاني من استراتيجية الحرب الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أن اهتمام واشنطن يتركز في العراق وليس سوريا إدارة الرئيس باراك أوباما قررت الأسبوع الماضي إرسال 1500 عسكري للعراق للقيام بمهمات استشارية وتدريبية.
كما أعلنت عن افتتاح عدة مراكز تدريب لإعادة تأهيل قوات الجيش العراقي، ورفع كفاءتهم القتالية، ومن المليارات الخمسة التي طلب أوباما من الكونغرس تخصيصها للحرب سيذهب الجزء الأكبر للعمليات في العراق.
بعد نحو ثلاثة أشهر على عمليات القصف الجوي، ترسخت القناعة لدى صناع القرار في إدارة اوباما بأن فرص كسب الحرب العراق أكبر منها في سوريا، لاعتبارات تتعلق بالفوارق بين حالة البلدين.
في العراق ثمة شركاء على الأرض يمكن العمل معهم؛الحكومة العراقية التي تشكلت بضغط من واشنطن، الجيش العراقي على الرغم من ضعفه الظاهر، وقوات البشمركة الكردية التي تحرز تقدما في المواجهة مع تنظيم الدولة.. يضاف إلى ذلك استعداد أوساط عشائرية سنية للتعاون مع الإدارة الأميركية لطرد مقاتلي «داعش» من المناطق السنية في العراق.
في سوريا لا يتوفر أي من هذه العناصر، لا حلفاء يمكن الوثوق بهم في المعارضة السورية.. وما يقال عن معارضة معتدلة، لا وجود فعليا لها على الأرض. التعاون مع جيش النظام السوري أمر غير وارد بالنسبة لواشنطن، والفصائل صاحبة النفوذ في الميدان مصنفة على قائمة الإرهاب الأميركية.
السياق العام للموقف الأميركي، حتى قبل الإعلان عن حزمة القرارات الأخيرة، كان واضحا في هذا الشأن.
واشنطن كانت تتفرج طوال أكثر من سنة على تنظيم الدولة الإسلامية وهو يجتاح مدنا سورية؛ الرقة ودير الزور، ولم تحرك ساكنا.. تحركت فقط عندما اجتاح التنظيم مدينة الموصل، وبدأ يتحرك شمالا نحو إقليم كردستان، ونحو بغداد والمناطق الغربية.
كان هذا تطورا خطيرا في نظر الإدارة الأميركية يستدعي التدخل العاجل، وهذا ما كان بالفعل.. لكن تبين للقادة العسكريين في البنتاغون أن القضاء على «داعش» في العراق غير ممكن دون ضرب قواعدها الخلفية في سوريا، ولهذا تقرر شمول معاقل التنظيم في دير الزور والرقة بعمليات القصف الجوي.. وفي الأثناء قفزت إلى السطح مدينة عين العرب «كوباني» كتحد يخص الأكراد أهم حليف للولايات المتحدة في العراق، وكان لابد من أن تتسع دائرة العمليات الجوية لتطال مقاتلي تنظيم الدولة حول كوباني.
وثمة سبب إضافي مهم لقرار التدخل في العراق، يعني بالدرجة الأولى أوباما ومن بعده الحزب الديمقراطي. ترك العراق فريسة لتنظيم الدولة الإسلامية، كان بمثابة إقرار بفشل استراتيجية الانسحاب المبكر التي اعتمدها أوباما وإدارته الديمقراطية في العراق، وهو ما يعني انتصارا خالصا للجمهوريين، سيلقي بظلال سلبية على فرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
بهذا المعنى فإن أوباما قرر التدخل العسكري في العراق لإنقاذ سمعة استراتيجيته بالانسحاب المبكر!
أما سوريا، فإنها في التوصيف الأميركي اليوم، حالة ميؤوس منها، لا ينفع التدخل العسكري بكل أشكاله في مداواتها.
ربما تكون سوريا قد وصلت إلى هذه الحالة بالفعل، لكن قدرا كبيرا من المسؤولية يقع على عاتق الولايات المتحدة، التي تبنت سياسات مترددة وغامضة تجاه الوضع السوري، وكانت خيارتها على الدوام متأخرة كثيرا عن التطورات الجارية على الأرض، وأقل استجابة لمتطلبات الموقف منذ بداية الأزمة.
لكن بالعودة إلى العراق، وبالرغم من توفر فرص أقوى للنجاح، إلا أن مخاطر الفشل لا تزال ماثلة للعيان. فالشق العسكري على أهميته ليس كافيا لضمان الفوز إذا لم يتلازم مع عملية سياسية شاملة في العراق تنهي كافة أشكال الإقصاء السياسي لمكونات رئيسية في المجتمع، وتدمج الجميع في إدارة شؤون البلاد، وتحقق المصالحة الوطنية المنشودة.
ولتحقيق هذه الأهداف يتعين على إدارة الرئيس أوباما مواصلة الضغط على حكومة حيدر العبادي لتحقيق ما وعد به عند تكليفه بتشكيل الحكومة، وإلا فإن العراق مرشح للعودة إلى أيام حكم المالكي، وحينها سيكون كسب الحرب ضد الجماعات المتطرفة أمرا مستحيلا، مهما بلغت الطلعات الجوية وعديد القوات الأميركية في الميدان.