اراء و أفكـار

المصالحة العراقية بين نموذجي وثيقة مكة ومعاهدة وتسفاليا… البحث عن جديد

مازن صاحب*

بين حين واخر، يتكاثر الحديث عن المصالحة الوطنية في العراق الجديد، والسؤال من يتصالح مع من؟ وكيف بل حتى يطرح السؤال لماذا هذه المصالحة في مثل هذا التوقيت بالذات؟

يبدو ان ملف هذه المصالحة دخل في حلقة من اللامبالاة لا يمكن إنعاشها… ولابد من إعادة هيكلتها جذريا أو يشملها رئيس الوزراء حيدر العبادي بمشروعه للتقشف الاقتصادي، وهو يواجه معضلة هبوط اسعار النفط وهبوط صادرات العراق النفطية على خط واحد، بما يجعل تهديدات اتحاد القوى الوطنية بالانسحاب من حكومته يضغط على اجراء مؤتمر المصالحة الوطنية فقط شكليا، من دون أي نتائج واقعية منتظرة مادام الجميع يحمل اجندات اقليمية ودولية متضاربة .

فشل متواصل

مشكلة هذا الفشل تتجسد في تلك الخطوط الحمراء والانتقائية في مشروع المصالحة، وكلاهما يحفز الإرهاب، وهو ما ظهر مع بداية خروج الأمريكان من العراق عام 2011، حينما رفضت حكومة المالكي حينها الاستمرار في دفع رواتب تشكيلات الصحوات، وقامت بدمجهم في وظائف مدنية وضيعة تحت عناوين قانونية براقة تتعلق بالشهادات والفرص الوظيفية المتاحة لهم وفقا لاختصاصاتهم، لكن ذلك لا يعني ان التحالف الوطني الشيعي وحده المتهم بإطلاق تلك الخطوط الحمراء والانتقائية في المفاوضات حول ملف المصالحة، بل انه يتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية، بوصفه الجهة المتصدية للسلطة، فيما يتحمل الجانب السني المسؤولية الكاملة عن عودة الارهاب الى مدنهم بسبب عدم جديتهم في التعامل الايجابي مع مشروع المصالحة الوطنية لأسباب اقليمية ودولية، يمكن ان تنتهي بمشروع الاقلمة والمناداة بتشكيل اقليمهم السني.
لذلك يمكن القول، ان ملف المصالحة الوطنية، يعد الملف الموازي للقتال الدائر اليوم ضد تنظيم الدولة الاسلامية، واي مبادرة وطنية مكملة للجهد الحربي يمكن ان تؤدي الى نتائج باهرة في ساحات القتال، لكن يجب أن تكون هناك ارادة وضمانات حقيقية لتنفيذ المصالحة مع أطرافها المؤثرة والملزمة في الميدان.

استعدادات

وحينما تتهيأ مستشارية المصالحة الوطنية التابعة لمكتب رئيس الحكومة حيدر العبادي لإقامة مؤتمر لها ومهرجانات لشيوخ العشائر، الذين لم يقدموا لمسيرة المصالحة الوطنية السابقة سوى الفساد المالي والتلون السياسي، ومثل هذه المؤتمرات لا تتأثر بحاجات الشعب العراقي الأهم.. هي في الغالب مصالحة عرجاء، لان اغلب أطراف المعارضة للحكومة العراقية من السنة العرب وابرزهم رافع العيساوي ومحمد عياش الكبيسي وعدنان الدليمي وعبدالناصر الجنابي ومحمد الدايني وحارث الضاري وطارق الهاشمي وخميس الخنجر وأكرم زنكنة وطارق الحلبوسي والحراك الشعبي السني وعوض العبدان وناجح الميزان .. ومن المسلحين المجلس السياسي للمقاومة العراقية وجيش المجاهدين وجيش رجال الطريقة النقشبندية وكتائب ثورة العشرين.. والشخصيات الفكرية السنية المؤثرة؛ الدكتور سامي الجنابي والدكتور طه الدليمي والمهندس إياد القيسي، كل هذه الاطراف ما زالت تقدم نصف خطوة باتجاه المصالحة مع العملية السياسية في عراق اليوم وتؤخر خطوتين، لاسباب اقليمية ودولية، تؤثر على قراراتها الداخلية، فليس هناك اي طرف حكومي أو خارج الحكومة، داخل الاحزاب والقوى المعارضة للعملية السياسية او من هم داخلها، باستطاعته ان يتعامل مع الملف العراقي وطنيا، بمعنى اوضح ليس هناك أي طرف يقدم مصلحة العراق، بوصفه وطن الجميع، حينما يجلس إلى طاولة المصالحة الوطنية، بل يقدمون اجنداتهم الحزبية بأفكارها المتناقضة، وميولهم وولاءاتهم لجهات التمويل، بانتظار حلول غير عراقية لمشاكل عراقية.
وأي حديث عن فرصة سانحة اليوم لمؤتمر المصالحة المرتقب، بعد تسليم هذا الملف بشكل فخري للدكتور إياد علاّوي للإشراف عليه، فيه اكثر من دلالة على اهمال الملف كليا، ثم تكليف محمد سلمان السعدي بمتابعة لجنة تنفيذ ومتابعة المصالحة الوطنية، التي سبق أن كان مسؤولا عنها وفشل، أيضا فيه دلالة أن العبادي غير جاد في ملف المصالحة الوطنية، وكذلك اختيار سليم الجبوري للسيدة وحدة الجميلي مستشارة لرئيس البرلمان للمصالحة، فيه دلالة على عدم قناعته بجدوى هذا الملف.
ومن يرجح نتائج مهمة بعد لقاء الدكتور العبادي مع اطراف المعارضة السنية في السفارة العراقية في عمان، لم يتابع ما حصل بعده من اجتماعات متعددة الاطراف في بغداد لمن يدعون انهم الممثلون الحقيقيون على الارض للعشائر السنية، بل هناك من يؤكد ان ذلك اللقاء في عمان كان صوريا واعلاميا أكثر من كونه عمليا.
وعلى الرغم من ظهور مبادرة واضحة في التوقيع على معاهدة مكة عام 2006، الا ان عدم ترجمة بنود تلك الوثيقة الى تطبيقات مضمونة، لعدم وجود طرف وسط واع ضامن للسعي بين طرفي الخصومة والاختلاف هو السبب في فشل كل مؤتمرات المصالحة الوطنية، كون الاجندات الطائفية الدينية والسياسية هي من تربك كل محاولات المصالحة وتشغل الرأي الطائفي، حين تسلط الأضواء الإعلامية على أطراف المعارضة.
وهو ما حصل بعد ان وقع على وثيقة مكة جمع من علماء العراق من مختلف الطوائف، لأجل حقن دماء المسلمين، وإيقاف الحرب الطائفية في العراق، ووقف أعمال العنف التي طالت المساجد ودور العلم والعبادة، وان كانت تلك الوثيقة قد صدرت من منظمة المؤتمر الإسلامي، لان مضمون المبادئ الجميلة التي وردت فيها لم تكن اكثر من مسعى للتبرؤ من دماء الحرب الاهلية بعد تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء في العام ذاته الذي وقعت فيه تلك الوثيقة.
الفارق اليوم ان مشروع المصالحة العراقية يمثل حجر الزاوية في مشروع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش»، والجنرال جون ألن بدأ بها قبل أن يبدأ بالتحالف الإعلامي بالضد من اعلام هذا التنظيم، لكن هناك عدة ثلمات عراقية في تطبيقات هذا المشروع، تبدأ بعدم مأسسة قوات الحشد الشعبي ضمن الجيش واحكامه العسكرية، بل ان الاستمرار في مشروع مجالس الأسناد العشائرية بالمال الحكومي يمثل حالات فساد مالي بامتياز، ويعزز ذلك ان العراق منقسم طائفيا بين إيران والسعودية، ومن يبحث عن المصالحة الفعالة فليأخذ الموافقة المتوازنة منهما وبأشراف أمريكي.
من جانب اخر، جدد تحالف القوى العراقية مطالبته بتطبيق شروط المصالحة الواردة في برنامج حكومة العبادي الوزاري، وأكد احمد المساري رئيس الكتلة النيابية لتحالف القوى العراقية، ان المصالحة الوطنية لا تتحقق بالمؤتمرات والخطب الرنانة، ولكن بقرارات شجاعة ومواقف جريئة تضع مصلحة العراق العليا فوق كل ما عداها».
ربما كل ما تقدم يعجل بعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية، لكنه لن يكون بقوة معاهدة وتسفاليا الاوروبية، بدون انتظار لنتائجه، كما سبق ان حصل مع التوقيع على وثيقة مكة وتبقى مجرد افكار بدون إطفاء جذوة العنف الطائفي وتطبيقاتها الارهابية، اليوم في المليشيات والجماعات المسلحة تحت عنوان «داعش» واخواته وغدا ربما بمسميات اخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً