اراء و أفكـار

الطغرائي وعصي العرب المتكسرة!

عبد الامير المجر*

بينَ حكاية الإعرابي الذي جمع أولاده، ليضرب لهم مثلا في قصة العصي المتفرقة والموحدة الشهيرة، وبين بيت للطغرائي، صاحب اللامية المشهورة بـ(لامية العجم)، صلة على مستوى المعنى الذي يفرزه كل من البيت الشعري والحكاية، فالطغرائي يقول، في البيت المشهور:

إنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعوّل في الدنيا على رجل
والرجل في مقاييس السياسة اليوم، يتمثل بالدولة، التي اذا ما اجتمع شعبها على هدف واحد وأفرز لهذا الهدف من يمثله لقيادتها، من أجل الوصول إليه، فإنها تغدو رجلا، حرّا كريما في الدنيا، إن لم تكن رجل الدنيا، وحينذاك، لم تعد بحاجة إلى (رجل) آخر تعول عليه في مواجهة المحن والكوارث التي تتعرض لها كما يحصل معنا الآن!
لدي شبه يقين من أن حكاية الإعرابي والعصي، هي من نتاج المخيلة، وليست واقعة حقيقية، ما يعني أن هناك ما يمكن تسميته (ثقافة سياسية) تحملها عقول الكثيرين من الناس وتعبّر عنها بطرق مختلفة، ومنها موضوعة الوحدة الاجتماعية التي تعد السبيل الذي لا مناص منه للوصول إلى الوحدة السياسية، وهذا ما أراد قوله، العربي الذي صنع الحكاية بطريقة درامية تمثلت بالإعرابي وأولاده، وهي ذات الثقافة التي أنتجت بيت الطغرائي الشعري، والذي أتى مثقلا بثقافة عصره الممتزجة بحب الفخر وتعاظم الأنفة في الذات، لاسيما إذا كانت حرة ومقهورة، مشيرين هنا إلى أن الطغرائي عاش في عصر الانكسار والهزيمة، أثناء حكم السلاجقة، وليس في عصر الوحدة والقوة التي كان عليها العرب يوما ما، ما أذكى بداخله الحاجة إلى الخلاص، تماما كعصرنا المهزوم هذا، حيث لم يعودوا يعكسون، كما كانوا، صورة رجل الدنيا وواحدها، بل باتوا رجالا متفرقين ترهقهم ذلة واضحة، بعد أن سلموا مصيرهم للأغراب، يعبثون به ويرسمونه حسب أهوائهم، بينما هم وقد تخلوا عن دورهم، صاروا أجراء عند الآخرين بثرواتهم وبرجالهم أيضا، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، فالمجاميع التكفيرية التي تقاتل اليوم باسم الإسلام، زورا، ومن يدعمهم من العرب، هم في حقيقتهم مطية الأغراب لإهانة الأمة التي تعيش تفاصيل هزيمتها التاريخية، وإذا لم تنتشل نفسها منها، فإنها ستغدو مبعثرة على مدى القادم من قرون الدهر وليس عقوده، ولن تستطيع أن تلملم نفسها مرة أخرى، لأنها ستفقد خواصها الذاتية وهويتها بين قبائل التكفيريين والتدميريين، ليتكرس واقع مأساوي، لن ترحمنا الأجيال القادمة عليه.
ما يعنينا، نحن العراقيين، من هذه الحكاية ربما أكثر مما يعني غيرنا من العرب، فنحن بتشرذمنا، أضعفنا أنفسنا، وبتعويلنا على الآخرين في حل مشاكلنا كرسنا هذا التشرذم، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وصار أمرنا للأسف الشديد بيد الآخرين، بعد أن كان بإمكاننا أن نجنب أنفسنا كل هذا، حيث لم نعمل على إجراء مصالحة حقيقية، تكون بداية لسلم أهلي، نحن اليوم نفتقده وقدمنا بسبب هذا ضحايا بالآلاف، ولم يرغب أغلب ساستنا بالعمل كعراقيين، وإنما كزعماء طوائف وأعراق تحالف بعضها ضد البعض الآخر، حتى ضعف الجميع، وصاروا يستنجدون بالأغراب، وهذا حالنا اليوم للأسف، فهل نحن منتبهون؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً