اراء و أفكـار

العراق: إيقاف الاضطهاد مهمة لا تقبل التأجيل!

كريم عبد*

إذا كان العراق يتعرض لحرب إرهابية شرسة تهدد مستقبله، فإن المقاومة الرسمية والشعبية لا تتحقق وتستمر إلا بإنجاز الوحدة الوطنية فعلياً. هذا فقط ما يسد الثغرات القاتلة التي تركتها حكومة المالكي (2006 – 2014) والتي مازلنا ندفع ثمنها لحد الآن. ما فعله المالكي هو إعادة الحياة لسلطة الحاكم التعسفية على حساب سلطة القانون معتمداً على مجموعة من الوصوليين وعلى (فلسفة) جهنمية مفادها (إن السياسي الذكي هو الذي يستثمر الظروف والمستجدات لمصلحته) حتى لو أدى ذلك لإضعاف الدولة وتفكيك المجتمع!

إنه مشروع إعادة إنتاج الديكتاتورية وهو أمر مستحيل طبعاً، لأن الديكتاتورية لا تتأسس استناداً لرغبات هذا السياسي أو ذلك، وإنما تتكاتف جملة عوامل داخلية وخارجية لإنتاجها. إن الظروف القائمة الآن هي عكس الظروف التي انتجت ديكتاتورية صدام حسين، الأمر الذي لا يستطيع المالكي فهمه بحكم مداركه السياسية البسيطة. لكنه استمر باستثمار الأزمات المتراكمة خدمةً لأوهامه التسلطية، ما أدى لتلويث المجتمع بشوائب الطائفية خالقاً مناخاً مناسباً لإدامة الاقتتال الداخلي وإعطاء الإرهابيين مزيداً من الأوراق المجانية فكانت النتيجة مأساة الموصل والمجازر التي تلتها.
والسؤال الآن هو: هل سيوفر رئيس الوزراء الجديد فرصةً للمتضررين من مشروع الديكتاتورية للوقوف معه لإعادة الاعتبار لسلطة القانون؟ لكي يفعل حيدر العبادي ذلك، لا بدَّ من أولويات وطنية يأتي في مقدمتها رفع الظلم والحيف عن آلاف المعتقلين تعسفاً. ففي العراق لا يوجد تفريط بقضايا حقوق الإنسان فقط، بل وأيضاً انتهاكات صارخة للدستور العراقي ذاته! إن واحدة من أكبر خطايا حقبة المالكي هي الاعتقالات التعسفية التي تعرّضَ لها عشرات الآلاف من أبناء المناطق السنّية، حيث قضوا سنوات طويلة في معتقلات، مازال يسكنها الآلاف منهم، دون سبب سياسي أو مبرر قانوني!
الاعتقالات تمت من دون أمر قضائي! وهذه مخالفة دستورية خطيرة إذ تقول المادة 15 من (باب الحقوق والحريات) في دستور 2005 النافذ (لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مُختصة) وتنص المادة 19 من نفس الباب، الفقرة 13 (تُعرض أوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة من حين القبض على المُتهَم، ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة وللمدة ذاتها).
إن الخدعة الإعلامية التي تسترت بها أجهزة المالكي خلال سنوات التعسف، المستمرة نتائجها لحد الآن، هي تهمة الإرهاب! وعندما تُمارس حكومة ما إرهاباً رسمياً ضد مواطنيها وتتظاهر بأنها تقاوم الإرهاب، نكون أمام إلتباس خطير، أخلاقياً وقانونياً، كان على القضاء العراقي أن يتدخل لإيقافه مبكراً لكنه لم يفعل وربما لم يتمكن. على القضاء أن يفعل ذلك الآن ويشرح لماذا لم يتمكن سابقاً.
لقد شهدت محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين منذ 25-12-2012 تظاهرات حاشدة شارك فيها علماء دين وشيوخ عشائر ومسؤولون محليون ضمن حراك واسع حظي بتأييد الرأي العام رغم محاولات القاعدة والبعثيين اختراقه، لكنَّ المطالب لم تهدف لتخريب العملية السياسية كما أدعى المالكي، بل لتحقيق العدالة برفع اليد عن المعتقلين الأبرياء ومعالجة أزمة تردي الخدمات وقضايا الفقر والبطالة. إن اختراق (القاعدة) لبعض هذه الاحتجاجات لم يخلط الأوراق على المعنيين، فوقتها اتهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، رئيس الوزراء بالتخلي عن المسؤولية وإلقائها على عاتق وزرائه داعياً إياه إلى الاستجابة لمطالب المتظاهرين.
وبعد شهور شعرت حكومة المالكي بخطر انتشار التظاهرات وانتقالها إلى بغداد، فبدأت بإطلاق سراح دفعات كبيرة من الضحايا. أطلقت خلال 2013 أكثر من ثلاثين ألفاً منهم، لاحظوا خطورة الرقم رجاءً، بينما بقي وراء القضبان في العراق الديمقراطي آلاف المعتقلين الآخرين!
وللتأكد مما قلنا، نورد من أرشيف 2012:( .. وفيما يخص قضايا المعتقلين، قال المالكي إنه طلب من رئيس مجلس القضاء الأعلى في وقت سابق من عام 2012 بالتسريع في اجراء المحاكمات من خلال زيادة عدد الهيئات القضائية المختصة، وهو ما تمت الاستجابة له، إذ تم الأفراج عن أكثر من أحد عشر ألف سجين خلال العام 2011) أن زيادة عدد الهيئات القضائية لا لزوم له لأن الضحايا ليسوا مجرمين ولا توجد أدلة ضدهم، وأعتقالهم لم يكن لأسباب طائفية كما توهم البعض، بل لخلق مناخ انشقاق طائفي يضعف المجتمع السياسي لمصلحة مشروع المالكي ومن ورائه إيران التي تهدف سياستها إلى قتل العراق بأيدي العراقيين!!
إنها مأساة حقاً، فبالإضافة لمعاناة المعتقلين والأضرار التي لحقت بعوائلهم! فإن أي واحد منهم يرتبط بأكثر من عشرين إنساناً في الأقل، أي إن الدولة قد أوجعت قلوب مئات الآلاف من المواطنين! والسؤال: ألا يُضعف هذا التعسفُ الجبهةَ الداخلية؟ أليست هذه السياسية هي الحاضنة التي تدفع الضحايا لخيارات عدمية كالعنف وكراهية الدولة؟
ووفقاً لمصادر قضائية وتصريحات مسؤولين، لاحظوا المفارقة التالية: في 3-2-2013 قال حسين شهرستاني رئيس اللجنة الوزارية لمتابعة شؤون المحتجّين (إن عدد المفرج عنهم خلال الأسابيع الماضية تلبية لمطالب المتظاهرين بلغ ثلاثة آلاف معتقل. موضحاً إن هناك ثلاثين ألف معتقل حالياً في السجون، بينهم 17 ألف مدان بقضايا تتعلق بجرائم مدنية، وإن 6 آلاف من بين 13 ألفا الباقين مدانون بـجرائم إرهابية. وسبعة آلاف آخرين تحت التحقيق) ويتضح عدم الدقة والتشوش في تصريح شهرستاني حين نلاحظ أنه في 13-5-2013 تم الإفراج عن خمسة آلاف معتقل ورفع الحجز عن 11 ألف دار. ووفقاً للمتحدث بإسم القضاء عبد الستار بيرقدار إن المحاكم أفرجت في آيار (مايو) 2014 عن 8307 متهمين لم تثبت إدانتهم) حيث تأكد بأن الغالبية أبرياء مظلومون وليسوا مدانين بجرائم إرهابية كما أدعى بعض المسؤولين! لقد شجع مناخ الظلم والجور هذا على انتشار التعسف حيث شهدت البصرة أيضاً اعتقالات واختطاف ومآسي لم تعد خافية على أحد!
إذا أرادت حكومة العبادي اكتساب المصداقية فعليها رفع الحيف عن المظلومين، وعندما نقول: إيقاف اضطهاد السنة مهمة لا تقبل التأجيل. نعني رفض الثقافة المتعفنة التي أسّستها الحكومة السابقة لتبرير انتهاك مبادئ حقوق الإنسان!
لقد بدأت قواتنا المسلحة بتحقيق انتصارات واقعية على داعش ومشروعها الجهنمي، فيصبح من باب أولى رفع الظلم والحيف عن المعتقلين الأبرياء لإحقاق الحق ولتوفير أفضل زخم شعبي ممكن لدعم المواجهة المستمرة مع فلول الإرهاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً