اراء و أفكـار

الاستنزاف المهلك في الحرب العراقية

داود البصري*

من يتابع ويحصي عدد الجنائز التي تستعرضها ميليشيات العراق الطائفية في تقاريرها الإعلامية, وخصوصا جماعة العصائب التي تشكل جوهرة مشروع الحرس الثوري الإيراني في العراق يدرك على الفور أن مشروع الحرب الطائفية المشتعلة في العراق بات يفرض أثمانا غالية جدا على المروجين له والمتورطين فيه.
فوفقا لمعلومات خاصة من مصدر استخباري وأمني مطلع في مخابرات الجيش العراقي, فإن هناك أرقاماً مهولة جدا لحجم الخسائر البشرية في صفوف قوات الحشد الشعبي التي تقاتل لاسترداد المدن والقرى الخارجة عن سيطرة الحكومة العراقية, هذه القوات التي أعلن وزير المالية هوشيار زيباري أنها باتت تشكل حالة إستنزافية رهيبة للميزانية العراقية المثقوبة أصلا بالفساد وبانهيار أسعار البترول باتت اليوم بمثابة الحصن الحامي للحكومة بعد إنهيار الثقة الرسمية بالجيش العراقي والذي يحتاج بعد انتكاسة الصيف الماضي لزمن طويل جدا للإصلاح ولتكلفة عالية جدا للتسليح باتت معها ظروف العراق المالية غير مهيأة بالمرة لإنجاز ذلك الهدف في فترة قريبة, لذلك كان الدخول العسكري الإيراني الكبير والواسع على الخط, وكان اشتراك إيران من خلال مستشاريها وضباطها وحتى طياريها في جهاز الحرس الثوري بمثابة اجتياح واسع ليس للعراق فقط بل حتى للشام التي دخلت الأوضاع فيها نفقا كبيرا جدا في التكاليف المالية والبشرية, فإدارة المعركة الإيرانية في الشرق من خلال البوابة الطائفية والدفاع عن المقدسات والمراقد الشيعية دعت النظام الإيراني لأن يرسم خطوطا حمراً على رمال العراق والشام الحارقة حتى تبلور نظام عسكري يدعو لإدماج الميليشيات الطائفية المساندة للنظام السوري في الشام لأن تنخرط في تنظيم عسكري واسع جديد يكون شبيها بالحرس الثوري الإيراني وتسيره آيدي ولوجية الحرس ذاتها! نفس الصيغة ترسم في العراق من خلال التركيز الإيراني على دعم الميليشيات وجعلها البديل الواقعي والموضوعي للجيش العراقي وهي الإشكالية الخطيرة التي تواجه وزير الدفاع العراقي الجديد خالد العبيدي الذي يجد نفسه محشورا بين المطرقة الإيرانية القوية وميليشياتها الطائفية بين سندان نقص الدعم الحكومي لبناء الجيش العراقي من جديد, وهي مهمة ليست سهلة أبدا في ظل التشابكات القائمة في المنطقة بشكل عام, فالأميركان يتحدثون عن مدة زمنية طويلة جدا لحسم معركة إنهاء الجماعات المتطرفة في العراق والشام وأوضاع البلدين تتجه بقوة نحو نهايات استنزافية غير مريحة قد تترك تداعياتها على مستقبل السلم الأهلي بعد أن تلاشت مسألة التنمية البشريةوالإقتصادية والاجتماعية أمام هوس الحرب والتصفيات الطائفية المؤسفة وحالة العسكرة التامة للمجتمعات وبما ألغي وعلى المديات المنظورة أية احتمالات لخطط وبرامج تنموية, كل شيء في العراق يسير نحو الكارثة,والعمليات العسكرية الجارية باتت تفرض تفاهمات إقليمية أيضا من خلال مقولة السردار قاسم سليماني قائد فيلق القدس وهو يتباهى بأن قواته تسيطر على أرض العراق فيما طائرات البحرية الأميركية تسيطر على أجواء العراق, أي أن العراق قد تحول لقطعة شطرنج يتفاهم حولها المختلفون! أيام صعبة يعيشها العراقيون,ومستقبل أشد سوادا من قطع الليل المظلم ينتظر أجيالاً كاملة حرمت من التعليم والتنمية وانخرطت في سلسلة لا تنتهي من الحروب.
الاستنزاف الدموي في العراق بات بحاجة لوقفةومراجعة في ظل صراعات عدمية ينبغي لجمها قبل أن ينفلت مسلسل الأحقادوالثأر الذي لن ينجو من تبعاته أحد. العراق اليوم بحاجة لمؤتمر وطني جامع حقيقي يؤسس لعملية سياسية ضمن إطار وطني حضاري وليس طائفياً متخلفاً, فهل يفعلها العراقيون ويوقفون النزيف المهلك? نتمنى..ولكن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً