اراء و أفكـار

خصخصة الديمقراطية الأمريكية وعولمة الفساد

د . حسين حافظ*

تمثل نظرية استثمار السياسات لعالم الاقتصاد السياسي الأمريكي المعروف توماس فيرغوسون مؤشراً ناجحاً لمدى سيطرة القطاع الخاص ولفترة طويلة على سياسات الحكومة الأمريكية.

بحيث تعد هذه النظرية تشخيصاً دقيقاً لمدى نجاح الشركات الكبرى في خلق تجمعات مالية فاعلة تمثل سلطة شرائح الطبقات الرأسمالية متمثلة في الاستثمار المالي في السياسة من أجل السيطرة على الدولة، وذلك يعني إلغاءً حقيقياً للديمقراطية الشعبية التي ينبغي أن تكون الفيصل في النظام السياسي الأمريكي، والحال كذلك في الدول الأوروبية ذات النهج الأمريكي، ويتمدد الأمر حتى في الدول التي استخدمت الأسلوب الغربي في قوانين الانتخابات التي تمثل رافد السلطة الأساسية في العالم المتحضر .
والحال كذلك فيما آلت إليه في كل مرة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في دول العالم الثالث وإذا ما أخذنا على سبيل المثال النموذجين التركي والعراقي فسيكون الأمر أكثر وضوحاً، ففي تركيا مثلاً استحوذ “حزب العدالة والتنمية” على السلطة منذ عام 2002 وحتى الآن وهو حزب ديني ينتمي إلى فصيلة الاحزاب الدينية السياسية المتطرفة كالإخوان في مصر، رغم شكلية مظهره العلماني، وقد ساعده على الاستمرار في السلطة وفي دولة علمانية السيطرة على المال العام أولاً ومناغمة الذوق التركي العام في الادعاء بأنه يمثل الإسلام الديمقراطي ثانياً، دالة السيطرة على المال العام هي شبهات الفساد المالي في حكومة أردوغان الثانية التي وظفت سياسياً بكل تأكيد ودالة زيف الاعتدال تثبتها التدخلات التركية في مصر وسوريا والعراق ودعم التطرف في العالمين العربي والإسلامي على حد سواء .
وفي العراق يتماهى الوضع تماماً مع ما آلت إليه الأمور في تركيا إذ استخدم السياسيون العراقيون المال السياسي لتحقيق نتائج مغايرة لكل توقعات الشارع العراقي ومنافية تماماً لا لرغبة المجتمع وليس كذلك إلى رغبة المرجعيات الدينية والمجتمعية، وكانت مدمرة للعملية الديمقراطية، وهنا يتماهى الوضع العراقي إلى حد كبير ليس مع الوضع التركي فحسب بل مع الوضع الأمريكي كذلك مع فارق بسيط، فالفعل في العراق ليس للشركات الكبرى كما هي الحال في الولايات المتحدة وإنما لرأسماليي السلطة السياسية ومن أثروا المال العام فتجاوزوا معظم القوانين الموضوعية في النزاهة الديمقراطية فضلاً عن تلك المتعلقة بالشبهات الكبيرة للفساد في ملفات العديد منهم فضلاً عن الجرائم الإنسانية الأخرى، فناظروا بذلك أصحاب الشركات الكبرى في الإمكانات المادية والجرائم الاقتصادية، ولم يعد الأمر خافياً على الجميع حين يتم تهريب مليار ونصف المليار دولار من الخزينة العراقية إلى مصارف لبنان ولم يتم العثور حتى الآن على مرتكبي تلك الجريمة الاقتصادية الفادحة، وذلك هو جوهر فساد السلطة وقدرة المال في توجيه دفة السياسة أنى شاء، ويعني كذلك القضاء على جوهر الديمقراطية وتحويلها من ممارسة شعبية عامة إلى ممارسة خاصة لأصحاب رؤوس الأموال هنا أو هناك .
وفي تاريخ الديمقراطية القانوني والدستوري في الولايات المتحدة تطور مفهوم الفساد إلى حد نقل السلطة من كبار الرأسماليين إلى المديرين وإلى شيوع الاعتقاد أن هؤلاء هم من يديرون السياسة في الولايات المتحدة ديك شيني وكوندوليزا رايس وبوش الأب مثلاً وجميعهم أمثلة ذات دلالات واضحة في هذا المنحى، وقبل قرن تقريباً وعندما كان طالباً في إحدى الجامعات الأمريكية ذكر وودرو ولسون “إن في الولايات المتحدة فئات صغيرة نسبياً من الرجال هي التي تدير السلطة وتتحكم في المال العام وتسيطر على ثروات الدولة وسير أعمالها” .
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لا تزال الشركات الرأسمالية الكبرى تلعب دوراً خطيراً في التحكم بالسلطة السياسية وتوجهها أنى شاءت رغم كل ما يشاع عن فرادة ونموذجية الديمقراطية الأمريكية .
إن فساد أنظمة الحكم في العالم وخاصة في دول العالم الثالث وشيوع الفوضى والاضطراب في أغلب دوله وتحكم المال في السلطة السياسية بحاجة إلى إصلاح فوري وليس إلى إصلاح مؤجل .
وإذا لم يتم ذلك فإن العالم لا يبدو سوى الأقرب لمقولة رئيس الوزراء الصيني الأسبق شوإن لاي حين سأله أحد الصحفيين كيف ترى العالم اليوم؟ فأجاب “إنه يسير إلى الفوضى في كل شيء” .
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/66e14684-94d9-463f-ac3d-10f8f660c5c0#sthash.z7qLlKme.dpuf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً