اراء و أفكـار

الجنرال آلن يخيب آمال “سنّة واشنطن” ويحثهم على النزول إلى “شارعهم”

هارون محمد*
كان الجنرال الأميركي جون آلن واضحا وهو يبلغ سياسيين ومسؤولين حكوميين وشيوخ عشائر هاربين من مناطقهم، محسوبين على السنة العرب التقاهم في أربيل شمال العراق وفي العاصمة الأردنية في اجتماعين منفصلين، أن بلاده لن ترسل قوات عسكرية برية إلى مدنهم ومحافظاتهم لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية مهما كلف الأمر، مشددا على أن هذه المهمة من مسؤولياتهم، وعليهم النزول إلى شوارعهم وقواعدهم الشعبية والعشائرية ومقاتلة داعش وأخواتها وتخليص مناطقهم من تطرفها.

ومع أن الاجتماع مع الجنرال الأميركي المكلف بالتنسيق ومتابعة حرب التحالف الدولي ضد داعش في أربيل كان مقتصرا على رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ووزير سابق هو رافع العيساوي، ومحافظي نينوى وصلاح الدين أثيل النجيفي ورائد الجبوري، وقائد شرطة محافظة الأنبار أحمد صداك الدليمي، إلا أنه بحث، وفق تصريحات للجبوري، العمليات العسكرية الأميركية الجوية الجارية حاليا ضد داعش، ملمّحا إلى اتفاق جماعته مع الجانب الأميركي على ضرورة تحمل سكان المناطق التي سيطرت عليها الدولة الإسلامية مسؤولية طردها، دون أن يذكر كيف ومتى؟ وهو يدرك، بأن هؤلاء السكان الذين يعنيهم، هم بين مجتث وملاحق من السلطات الحكومية، ومطارد ومهجر من قبل المليشيات الشيعية، ونازح في البراري والجبال من طرف داعش، وبعد كل هذا يريدهم القيادي في الحزب الإسلامي أن يشتبكوا بأيديهم الفارغة وبطونهم الخاوية وقلوبهم المفجوعة مع هذا البلدوزر المرعب الذي اسمه الدولة الإسلامية، وكان حريّاً به أن يدعُو أعضاء وقيادات حزبه “الجماهيري” إلى تقدم الصفوف وقيادة المعركة بدلا من المقهورين والمقصيين والمهمشين.

ويبدو أن “سنة واشنطن”، وهم امتداد لـ”سنة المالكي” وعدد منهم يقيم في العاصمة الأردنية منذ سنوات غاروا من “ربعهم” الذين التقوا مع الجنرال الأميركي في أربيل، وأرادوا أن يحتفوا به على طريقة “عند عيناك يا صاحب” التي كان يرددها شيوخ الدليم والموصل والعمارة والديوانية والكوت والناصرية والحلة في النصف الأول من القرن الماضي مع الإنكليز، وكررها أبناؤهم وأحفادهم، لاحقا، مع الرئيس الراحل صدام حسين بعد أن وضعوا اسمه مكان صاحبهم البريطاني، فتداعوا إلى دعوته إلى فندق فخم وقاعة حمراء وزرقاء وصفراء باذخة، وكان اللقاء معه مفعما بالنفاق والخنوع، وهي مظاهر لم يعرها المسؤول الأميركي اهتمام، وحسب ما نسب لأحدهم بعد انتهاء اللقاء أن الجنرال آلن (لبسهم) أي لم يهتم بهم، وتعمد أن يردد على مسامعهم ما قاله لنظرائهم في أربيل، لن نرسل جنودا إلى مناطقكم وكفى.

غير أن الملاحظة التي التقطها أحد الحاضرين، وسأل الجنرال سؤالا محددا: أنتم كإدارة وجنرالات وكونغرس وصحافة وإعلام تقولون أن الضربات الجوية لا تحسم معركة ولن تُنهي “داعش”، فلماذا تشكيل تحالف دولي وإعلان حرب عبثية عليه؟ فكان رد الجنرال باردا وباهتا قائلا: هذا قرار قيادتنا وهي أدرى بمصالحنا وأمننا وحلفائنا.

ونترك الجنرال الأميركي ومضيفيه من سياسيي الصدفة، وننتقل إلى مناسبة اجتماعية عقدت في عمان أيضا ثاني عيد الأضحى وحضرها وزيران محسوبان على السنة العرب، تنافسا في تبرير الضربات الأميركية التي أخطأت أهدافها “الداعشية” وأجهزت على عائلتين تعدادهما 14 نفسا بريئة في قضاء هيت، فقد تبارى وزيرا الزراعة والتخطيط فلاح حسن زيدان، وهو من الموصل، وسلمان الجميلي من الفلوجة في تقديم حجج واهية لا تنطلي على الأطفال والقصّر عن فوائد الهجمات الجوية الأميركية والحليفة على مواقع “داعش” حتى ولو ذهب ضحيتها فقراء وأبرياء وآمنين وأصحاب عوائل، وقال أحدهما بوقاحة: نحن مستفيدون حتى لو كان ربع الضربات على “داعش” وثلاثة أرباعها على غيرها، دون أن يشرح فائدة ربع الضربات، وماذا ستفعل مع مقاتلين أثبت الواحد منهم أنه يعادل ألفا وأكثر من ضباط وجنود الجيش والشرطة والمليشيات، وأحداث الموصل ما زالت طرية في الذاكرة، وما جرى في تكريت والشرقاط وبيجي وسبايكر والحويجة والضلوعية والصقلاوية وسليمان بيك وسنجار ومناطق أعالي الفرات قريب العهد ولا ينسى، عندما تمكنت جماعات “داعشية” صغيرة من إلحاق الهزيمة بالآلاف من منتسبي الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية وأفواج الطوارئ والمليشيات الطائفية.

مفهومة دوافع وزير الزراعة ورغبته في احتلال الأميركان للعراق السني العربي، لأن تنظيم القاعدة قتل والده الفريق حسن زيدان اللهيبي لأسباب قيل عنها الكثير، رغم أن السياسي الوطني يقدم دائما المصالح العامة على المصلحة الذاتية والفئوية والعشائرية، ولكن الغريب أن يتحمس وزير التخطيط الذي قتل الأميركان في حربي الفلوجة (أبريل ونوفمبر 2004) وحدهما، المئات من أقاربه، إلى هذه الدرجة من الدفاع عن الطائرات والصواريخ الأميركية التي تضرب “حامي شامي” في الموصل والأنبار وصلاح الدين، بينما رايات “داعش” بدأت ترفع في كثير من المناطق التي لم تكن قد وصلت إليها قبل القصف الأميركي والدولي.

المضحك- المبكي في الأمر أن الوزيرين تهرّبا من الإجابة على سؤال طرحه أحد الحاضرين: كيف سيكون موقف السياسيين السنة المؤيدين للأميركان والناشطين في مشروعهم الجديد “الحرس الوطني” إذا قررت الإدارة الأميركية بعد ستة أشهر أو سنة أو سنتين وقف الهجمات الجوية على “داعش” أو سعت إلى التفاوض معها كما تسعى الآن مع طالبان الأفغانية، خصوصا وأن أصوات عديد الجنرالات وأعضاء الكونغرس وآخرهم السناتور ليندسي غراهام، عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، تقلل من أهمية الخطة الأميركية لهزيمة “داعش”، فيما أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) الأدميرال جون كيبري أن التخلص من “داعش” في العراق عملية ليست سهلة ولن تتم سريعا، ولا يجوز أن يتوهم أحد ويعتقد أن ضرباتنا الجوية قد تؤتي ثمارها قريبا، داعيا إلى الصبر الذي وصفه بصبر (استراتيجي).

طبيعي أن يلزم سلمان الجميلي الصمت ويعجز عن الإجابة على مثل هذا السؤال الحيوي، لأن فهمه السياسي اقتصر منذ كان نائبا، على الوساطة في عمليات بيع وشراء المناصب والمغانم، وتجربة تعيين قريبه كريم عفتان الجميلي وزيرا للكهرباء في حكومة المالكي المنقرضة خير دليل على “عمقه الفكري والسياسي الاستراتيجي”، أما فلاح حسن زيدان فهو لا يختلف عن سلفه في الوزارة عزالدين الدولة المتقلب من عضو المجلس الوطني في العهد السابق إلى نائب في برلمان المنطقة الخضراء، إلى وزير في حكومة حزب الدعوة، فهذا الشاب الصغير السن قليل الخبرة والتجربة ونعني به فلاح اللهيبي قد يصلح مرافقا لضابط كبير مثل والده يرحمه الله “يسد بابا ويفتح بابا”، يساعده على أداء هذه المهمة طوله الفارع وعضلاته المفتولة، أما أن يكون وزيرا للزراعة، ويعلن أنه سينجح فيها ويطور مشاريعها ويزيد إنتاجها فهذا من عاشر المستحيلات.

إن السنة العرب في العراق، كشعب وبيئة ووجود، يُراد لهم الفناء، بعد أن انفتحت كل الجبهات عليهم، والحجة “داعش”، رغم أن القاصي والداني يدرك أن لا أحدا منهم عُرف باسمه المتداول أو هويته السياسية أو مكانته الاجتماعية استدعاها أو سهل لها الوصول إلى نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، ولا واحد منهم قاد أرتالها، ولا حزب سياسيا وطنيا أو قوميا أو حتى رجعيا، ولا هيئة أو حركة دينية ولا عشيرة مشهورة في المنطقة السنية تعاطفت وأيدت الدولة الإسلامية التي ضخمّها نوري المالكي وبالغ في شتمها وقوتها معا، وكانت النتيجة أنها نجحت في إسقاطه ودحرجته من منصة الولاية الثالثة وهزمت قواته واستولت على دباباته ومدرعاته ومدافعه، وأجبرت قادته على الفرار.

إن المسؤول عن احتلال “داعش” للمدن والمحافظات السنية هو نوري المالكي وأميركا التي ظلت تسانده حتى يونيو الماضي، فإذا كان في العراق شيء اسمه “حق وقانون” فالمفروض أن يحاكم المالكي، ويتم الكشف عن دوافعه الخفية في كيفية فرار قواته وقواده من أرض المعركة، وهو الذي أعطى لهم الأمر بالانسحاب من الموصل وتكريت وكركوك والجزيرة (وخلّي سني يقتل سني).

إن محاولات “سنة واشنطن” توريط أبناء السنة العرب، خصوصا من الضباط السابقين المتوسطي والصغار الرتبة بالانخراط في أفواج الحرس الوطني، الغرض منها دفعهم إلى المحرقة؛ قوات “داعش” أمامهم والحشد الشيعي من عصائب الخزعلي وبدر هادي العامري وسرايا مقتدى وكتائب حزب الدعوة وعصابات كاظم الصيادي وعدنان الشحماني وقيادة قاسم سليماني من خلفهم، هذه هي الحقيقة بلا تزويق ورتوش.

دعوة إلى كل الأخيار والأحرار من السنة العرب في بالعراق، الحذر من كمين خطير يعد لهم. اصبروا وصابروا، فقد تحملتم الكثير من المتاعب والآلام والمصائب، ولا تذهبوا، بعد كل هذا العذاب والاضطهاد والتقتيل، بأرجلكم إلى الموت حتى يثبت حيدر العبادي على كرسيه أربع أو ثماني سنوات مثل صاحبه المالكي، ويسترخي الملا فؤاد معصوم مرتاحا في الرئاسة مثل سيده طالباني، ويعوض آل النجيفي أموالهم وممتلكاتهم التي خلفوها وراءهم في الموصل، ويزيد أحمد أبو ريشة ورافع العيساوي وسلمان الجميلي وصالح المطلك من أرصدتهم، ويغتني سليم الجبوري ويرفع من حساباته البنكية، وتتسع ممتلكات وشقق أحمد الجبوري في أربيل وعمان ودبي وبيروت، هذه الفرقة المارقة باعتكم أيها السنة العرب أعوام 2003 و2006 و2010 وها هي اليوم تسعى لبيعكم من جديد وبثمن جديد.

تجنبوا “داعش” ولا ترتبطوا بها ولا تصطفوا معها، وانبذوا الفرقة الباغية التي تريد قتلكم مجانا وبالتقسيط، واتركوا محاربة “داعش” لمن تسبب في مجيئها وساعد على انتشارها وهرب من أمامها، هذا هو الموقف المطلوب واللعنة على كل من ساهم وسكت على تدمير العراق وساند الأميركان وساعد المالكي وعاون “داعش” وماعش وكامش والبقية تأتي تباعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً