اراء و أفكـار

محاكمة المالكي لفضح المسكوت عنه

عدنان حسين احمد*

لا نريد الاستهلال بأحكامٍ يقينية صارمة، ونتهم الآخرين جزافا مع أن النتائج على الأرض العراقية تتحدث بلسان فصيح عن كوارث ومحن وفظائع لا يمكن السكوت عنها بأي حالٍ من الأحوال. ومع ذلك فإننا نُلقي بهذا الحِمل الثقيل على كاهل القضاء العراقي النزيه غير المسيّس الذي يجب أن ينتصر إلى الوطن والمواطن، ولا يصطف إلى جانب الطُغاة والقتلة والطائفيين والمرضى المُحمّلين بعُقد الماضي ومناخاته السلبية المُعتمة.

يعترف “الساسة” الجُدد الذين جاؤوا بعد 2003 بأن رأس النظام السابق لم يكن طائفيا رغم دكتاتوريته ونهجه الاستبدادي في إدارة شؤون البلد، ولم يكن للمذهبية أي حضورٍ يُذكَر، اللهم إلا عند بعض الجهلة والموتورين والمُسكونين بالهواجس والخرافات التي انقبرت مع الماضي البعيد، الذي لا يريد استرجاعه سوى المُشعوذين والمتخلِّفين الذين قِدموا من الجحور الإيرانية المظلمة، وأقبية دمشق الدكناء، فلا غرابة أن يحوِّلوا نهارات العراق المُشرقة إلى ليل طويل يؤرق الذهن ويهرس الأعصاب.

يجب أن يُحاكم المالكي وأركان الحلقة الضيقة من حزبه بتهمة إثارة النعرة الطائفية، ومحاولة ترسيخها في ذاكرة الشعب العراقي.

وهناك جُمل طائفية كافية لوحدها أن تضع أنشوطة الموت على رقبته، التي كان ينزع عنها ربطة العُنق حينما يذهب لمقابلة سيده وولي نعمته في طهران. إنّ جُملا رعناء من قبيل “نحن أحفاد الحسين وهم أحفاد معاوية” أو “بيننا وبينهم بحارٌ من الـدم” هي إعلان صريح للحرب الطائفية التي بدأها في ولايته المشؤومة الأولى التي أحرقت الأخضر واليابس، والتهمت آلافاً مؤلفة من خيرة أبنائنا العراقيين، ثم ترك الحبل على الغارب، وأتاح للمليشيات الخارجة على القانون أن تفتك بالعراقيين المناهضين للحكم الطائفي أينما كانوا في عراقنا المُبتلى بالجهلة والمنبوذين وشذاذ الآفاق، الذين حاولوا أن يرسِّخوا الطائفية المقيتة ويجعلوا منها ديدنا وأسلوب حياة شاذة وغريبة لم يعرفها العراقيون من قبل ذلك، لأن الكثير من عشائرنا العربية والكردية والتركمانية نصفها سنّة والنصف الآخر شيعة، ناهيك عن التصاهر المعروف بين أتباع المذهبين منذ أيام الخلافة الراشدة حتى الوقت الراهن.

لابد من مساءلة المالكي وبطانته عن التفجيرات، وأعمال التخريب، والأحزمة الناسفة التي جاوزت الثلاثين ألف عملية، وربما أكثر لأن إِعلام المالكي كان يعتِّم على بعضها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويكشف عن المجرمين الجناة الذين تورطوا في دماء العراقيين الأبرياء الذين لا تسقط حقوقهم بتقادم السنوات، خصوصا وأن الضحايا هم من عامة الناس البسطاء الذين يسعون لتأمين الرزق الحلال لأهلهم وذويهم، ولم نسمع عن عملية انتحارية أو سيارة متفجّرة قد استهدفت مسؤولا في الحكم الطائفي إلا ما ندر، وإذا ما حدث هذا النادر القليل، فإن السبب سيكون معروفاً سلفا ولا يخرج عن إطار تصفيات الخصوم والمناوئين للنهج الطائفي الذين يتصفون بالوسطية والاعتدال، وينشدون تحقيق العدالة أو يحلمون بها على الأقل.

يجب أن يُحاكم المالكي على الآلاف المؤلفة من الناس الأبرياء الذين زجّ بهم في السجون والمعتقلات، وأبقاهم لسنوات طويلة تحت الضغط والإكراه والتعذيب والاغتصاب دون محاكمات نزيهة وشفافة تضمن للأبرياء براءتهم، وتدين المجرمين بجرائمهم.

فمن غير المعقول أن يزجّ أزلام المالكي في سجونهم، سيئة الصيت، عشرات الآلاف من الأبرياء، وقد رأينا وسمعنا غير مرة بعد ضغوط محلية ودولية عن إخلاء سبيل آلاف من السجناء الذين تبيّنت براءتهم بعد أربع أو خمس سنوات من الاعتقال دون ذنب أو جرم محدد.

تُرى، منْ هو المسؤول عن مصادرة حرية هؤلاء السجناء وكرامتهم، خصوصا أن بينهم بضعة آلاف من النساء اللواتي سُجنَّ بحجة أن أزواجهنّ قد اشتركوا في مقاومة المحتل الأميركي أو قاموا بأعمال مناهضة للعملية السياسية التي جلبت الكوارث والويلات للشعب العراقي بكل أطيافه القومية والدينية والمذهبية؟

لقد سُرقت وتبددت أثناء ولايتي الملكي قرابة الألف مليار دولار من المال العام، وقد اعترف بعظمة لسانه أن لديه العشرات من ملفات الفساد عن وزراء وبرلمانيين وموظفين ومسؤولين في الدولة العراقية. والسؤال الذي يجب أن يُوّجَه إليه: لماذا سكتّ عن هؤلاء السرّاق والمُفسدين الذين نهبوا أموال الشعب العراقي، وعلى رأسهم ابنك وصهريك وأقربائك الذين عينتهم من دون وجه حق في وظائف كبيرة لا يستحقونها؟ أين ذهبت هذه المليارات وكيف بددتها خلال فترة حكمك الطائفي المقيت؟

لقد هاجمتَ عشرات المدن والقرى العراقية وأوقعتَ آلاف الضحايا، وهدمتَ ما لا يُحصى من الدور السكنية، وهجرت الملايين من أبناء الشعب العراقي، وتسببتَ في احتلال ثلث مساحة العراق من قبل “داعش” وعناصر القاعدة الذين هرّبتهم من سجونك بالآلاف، وبددتَ كل هذه المليارات التي كانت ستبني العراق، لو أنها كانت في أيد أمينة.

لكل هذه الأسباب المذكورة آنفا، ولمئات غيرها لا يتسع المجال لذكرها أو التوقف عندها، نطالب بمحاكمتك كمجرم حرب تسبب في قتل مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي، وتشريد ثلث سكانه، وسرقة وتبديد أموال الشعب العراقي على مدى ثماني سنوات عجاف اسودّت فيها نهارات العراق حتى غدت مثل ليلٍ بهيم. إن الله يُمهل ولا يُهمل، وإن الصُبح آتٍ لا محالة مهما اكفهر الليل وزادت عتمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً